كتب منى فوزى
لم أقابل فى حياتى كلها شخصا مثل هذه الشخصية الفريدة فعلى قدر بساطته على قدر غموضه وعمقه... هكذا كانت رسوماته، وهكذا كانت شخصيته التى يتعامل بها مع الناس.
كان حجازى على قدر عظمته وعبقرية رسوماته شخصا شديد التواضع.. لم أسمعه يوما «يٍنظر » أو يلقى بالأحكام جزافا مثلما يفعل كثيرون، كانت آراؤه فى الدنيا والسياسة والحب كلها عبارة عن رسومات ينتظرها عشاقه ومريدوه.. نعم كان له مريدوه.. ينتظرون منه السماح من الحين للآخر، فلم يكن من الشخصيات التى تمتلك المزاج لمقابلة أى شخص فى أى وقت، بل إنه هو الذى كان يحدد الوقت والمكان، لم يكن يستجيب إلا لمن يشعر بالفعل أنه صديق ما بحاجة إليه، لم يكن يترك نفسه لاكتئاب البشر أن يدمره، حيث إنه كان شخصا شديد الحساسية وعلى الرغم من ذلك فقد كان هناك شبه اتفاق بين عشاقه على الاستجابة لمزاج الأستاذ العظيم، وعلى الرغم من ذلك - أى من السماح للبعض بزيارته - إلا أنه كان لا يتحدث، بل كان يستمع فقط، فإنه بئر غويط لأحزان وأفراح وأسرار كل من حوله وفى ذات الوقت لا أحد يعلم عنه شيئا، ففى حياة حجازى أسوار وأسرار لم يبح بها إلا عندما تعتمدك هذه الشخصية المتميزة كصديق بدرجة مقرب جدا.
ومثلما صنع مساحة بينه وبين كل من حوله فإنه وضع نفس المساحة حتى فى وفاته فقد قالت لى «منى» ابنة شقيقته لقد كانت وصيته ألا أبلغ أحدا من أصدقائه إلا بعد أن يتم دفنه، وبناء عليه لم أعلم إلا فى الثانية عشرة أى بعد وفاته بأربع ساعات فكان رد فعلى ما بين الثاثرة عليه وما بين إحساس أنه دائما كان يخاف على البشر الذين حوله من مشقة السفر إلى طنطا.
وعلى قدر البساطة والعمق على قدر القوة فلم أره يوما يلجأ إلى بشر لقضاء شىء ما، لم يسأل أحدا ولم يحتج لأحد بمعنى أنه لم يستمد بقاءه من بقاء من حوله بل كان دائم الاعتماد على نفسه حتى عندما كان يمرض، لذلك نقله صديقه الشاعر العظيم فؤاد قاعود وزوجته إلى مستشفى عين شمس التخصصى وذلك بالقوة عندما أصيب بالتهاب رئوى، ولم يطرق باب طبيب أو يلجأ إلى أى إنسان بل إن فؤاد قاعود قد كسر باب الشقة واستدعى الإسعاف لنقله فورا للعناية المركزة، وبعد نقله هل أبلغ حجازى أحدا بمرضه؟ لا على الإطلاق بل كانت مجهودات شخصية بالبحث فى المستشفيات عن اسمه حتى وجدناه فى عين شمس التخصصى وعندما ذهبنا إليه طلب منى الرحيل لسبب بسيط أنه لا يريد إزعاج أحد.
أعود إلى يوم سألته من أين تأتى بكل هذه القوة وكل هذا الاستغناء قال لى أنها قوة المستغنى ومعناها قوة إنسان لم يترك مقدراته فى يد شخص آخر، فكل خيوط اللعبة فى يده.
كان أهم شىء فى حياة حجازى هو شيئان أن يرسم ويرسم فقد كان يستيقظ مبكرا على الرغم من أنه كان ينام متأخرا وفى الصباح الباكر أى فى الخامسة مثلا تأتى إبداعات حجازى وشخصياته الكاريكاتيرية الخالدة، كنت أتعجب كثيرا من كمية النمنمات الموجودة فى رسوماته وخاصة التى رسمها مؤخرا قبل أن يعتزل رسم الكاريكاتير إلى رسومات الأطفال، كان يجلس بالساعات يرسم فى ثوب سيدة مصرية بعيون واسعة ووجه مستدير وجمال ربانى، كان أولا يكتب الفكرة فى ورقة وهذه مرحلة قبل مرحلة الرسم كانت تتم هذه المرحلة أثناء النهار بعد أن تنقضى ساعات العمل أو الرسم.
أما الشىء الثانى والذى دافع عنه باستماتة فهو حريته فقد قرر أن يعيش وحيدا دون زوجة أو ابن، لم يكن يقتنع بهذه الفكرة أى فكرة الاستقرار التى يصنعها الزواج كان يرى استقراره فى أن يبقى بمفرده معظم الوقت، وكانت هذه هى أمتع أيام حياته وساعاته. لم أسمعه يوما يتحدث عن أحد بشكل سيىء أو يلوم على أحد فى شىء حتى ألد خصومه السياسيين أو حتى على المستوى الاجتماعى، كان زاهدا طوال عمره كان حديثه فى رسوماته كما سبق وذكرت.
وفى السنوات الأخيرة عمل حجازى فى مجلة ماجد ولفترة طويلة، فمن رسومات الأطفال بدأ وبها أنهى مشواره لتدرك فلسفة رسام يخاطب الأطفال، كانت خطوطه بسيطة، لينة، ناعمة، منسابة، لذلك كانت شخصياته التى ابتكرها من أكثر الشخصيات والمسلسلات التى أقبل عليها القارئ الصغير.
رحل حجازى عنا عندما أدرك أن الدنيا لم تعد تسمح له بكل هذا النبل، رحل عندما أكمل مسيرته وقال كلمته وبوضوح، ترك لنا ميراثا من الأعمال تكفى لسنوات وسنوات وآراء فى قضايا لم تعد معلقة لم تحل فالمتتبع لأعماله سيدرك أنه كم من قضايا ومشكلات طرحها حجازى فى رسوماته لم تحل ولم يطرأ عليها جديد لذلك قرر أن يرحل... ولم يرحل عندما مات إنما رحل عندما قرر ألا يرى أحدا ولا يراه أحد، حتى عندما كنا بعض أصدقائه وأنا نزوره فى طنطا لم نكن نمكث سوى دقائق قليلة رغم بعد المسافة فلم تعد روحه الطيبة الشفافة تتحمل أن يراه أحد أو يرى هو أحدا.
كانت رحلتى الأخيرة إلى طنطا بطعم السواد، سواء الملابس ومرارة فى الحلق وحزن عميق فى القلب وكذلك سواد الواقع، فالوجوه من حولى فى محطة مصر وفى الميكروباص الذى ركبته لم تعد هى الوجوه البشوشة التى كان يرسمها حجازى بل تحولت إلى وجوه حزينة، وأرواح متطرفة فى كل شىء فى الملبس وردود الأفعال.
لم يرحل عنا حجازى يوم الجمعة 21 أكتوبر فى الثامنة صباحا بل إنه رحل قبلها بكثير عندما لم يتحمل قلبه مجاراة الواقع.
حجازى إنسان وفنان يحمل قلب عصفورة وعقل فيلسوف ووجها مصريا أنهكه البقاء. رغم أن الموت كان متوقعا... إلا أننى سأظل أفتقده طالما حييت.
كان حجازى على قدر عظمته وعبقرية رسوماته شخصا شديد التواضع.. لم أسمعه يوما «يٍنظر » أو يلقى بالأحكام جزافا مثلما يفعل كثيرون، كانت آراؤه فى الدنيا والسياسة والحب كلها عبارة عن رسومات ينتظرها عشاقه ومريدوه.. نعم كان له مريدوه.. ينتظرون منه السماح من الحين للآخر، فلم يكن من الشخصيات التى تمتلك المزاج لمقابلة أى شخص فى أى وقت، بل إنه هو الذى كان يحدد الوقت والمكان، لم يكن يستجيب إلا لمن يشعر بالفعل أنه صديق ما بحاجة إليه، لم يكن يترك نفسه لاكتئاب البشر أن يدمره، حيث إنه كان شخصا شديد الحساسية وعلى الرغم من ذلك فقد كان هناك شبه اتفاق بين عشاقه على الاستجابة لمزاج الأستاذ العظيم، وعلى الرغم من ذلك - أى من السماح للبعض بزيارته - إلا أنه كان لا يتحدث، بل كان يستمع فقط، فإنه بئر غويط لأحزان وأفراح وأسرار كل من حوله وفى ذات الوقت لا أحد يعلم عنه شيئا، ففى حياة حجازى أسوار وأسرار لم يبح بها إلا عندما تعتمدك هذه الشخصية المتميزة كصديق بدرجة مقرب جدا.
ومثلما صنع مساحة بينه وبين كل من حوله فإنه وضع نفس المساحة حتى فى وفاته فقد قالت لى «منى» ابنة شقيقته لقد كانت وصيته ألا أبلغ أحدا من أصدقائه إلا بعد أن يتم دفنه، وبناء عليه لم أعلم إلا فى الثانية عشرة أى بعد وفاته بأربع ساعات فكان رد فعلى ما بين الثاثرة عليه وما بين إحساس أنه دائما كان يخاف على البشر الذين حوله من مشقة السفر إلى طنطا.
وعلى قدر البساطة والعمق على قدر القوة فلم أره يوما يلجأ إلى بشر لقضاء شىء ما، لم يسأل أحدا ولم يحتج لأحد بمعنى أنه لم يستمد بقاءه من بقاء من حوله بل كان دائم الاعتماد على نفسه حتى عندما كان يمرض، لذلك نقله صديقه الشاعر العظيم فؤاد قاعود وزوجته إلى مستشفى عين شمس التخصصى وذلك بالقوة عندما أصيب بالتهاب رئوى، ولم يطرق باب طبيب أو يلجأ إلى أى إنسان بل إن فؤاد قاعود قد كسر باب الشقة واستدعى الإسعاف لنقله فورا للعناية المركزة، وبعد نقله هل أبلغ حجازى أحدا بمرضه؟ لا على الإطلاق بل كانت مجهودات شخصية بالبحث فى المستشفيات عن اسمه حتى وجدناه فى عين شمس التخصصى وعندما ذهبنا إليه طلب منى الرحيل لسبب بسيط أنه لا يريد إزعاج أحد.
أعود إلى يوم سألته من أين تأتى بكل هذه القوة وكل هذا الاستغناء قال لى أنها قوة المستغنى ومعناها قوة إنسان لم يترك مقدراته فى يد شخص آخر، فكل خيوط اللعبة فى يده.
كان أهم شىء فى حياة حجازى هو شيئان أن يرسم ويرسم فقد كان يستيقظ مبكرا على الرغم من أنه كان ينام متأخرا وفى الصباح الباكر أى فى الخامسة مثلا تأتى إبداعات حجازى وشخصياته الكاريكاتيرية الخالدة، كنت أتعجب كثيرا من كمية النمنمات الموجودة فى رسوماته وخاصة التى رسمها مؤخرا قبل أن يعتزل رسم الكاريكاتير إلى رسومات الأطفال، كان يجلس بالساعات يرسم فى ثوب سيدة مصرية بعيون واسعة ووجه مستدير وجمال ربانى، كان أولا يكتب الفكرة فى ورقة وهذه مرحلة قبل مرحلة الرسم كانت تتم هذه المرحلة أثناء النهار بعد أن تنقضى ساعات العمل أو الرسم.
أما الشىء الثانى والذى دافع عنه باستماتة فهو حريته فقد قرر أن يعيش وحيدا دون زوجة أو ابن، لم يكن يقتنع بهذه الفكرة أى فكرة الاستقرار التى يصنعها الزواج كان يرى استقراره فى أن يبقى بمفرده معظم الوقت، وكانت هذه هى أمتع أيام حياته وساعاته. لم أسمعه يوما يتحدث عن أحد بشكل سيىء أو يلوم على أحد فى شىء حتى ألد خصومه السياسيين أو حتى على المستوى الاجتماعى، كان زاهدا طوال عمره كان حديثه فى رسوماته كما سبق وذكرت.
وفى السنوات الأخيرة عمل حجازى فى مجلة ماجد ولفترة طويلة، فمن رسومات الأطفال بدأ وبها أنهى مشواره لتدرك فلسفة رسام يخاطب الأطفال، كانت خطوطه بسيطة، لينة، ناعمة، منسابة، لذلك كانت شخصياته التى ابتكرها من أكثر الشخصيات والمسلسلات التى أقبل عليها القارئ الصغير.
رحل حجازى عنا عندما أدرك أن الدنيا لم تعد تسمح له بكل هذا النبل، رحل عندما أكمل مسيرته وقال كلمته وبوضوح، ترك لنا ميراثا من الأعمال تكفى لسنوات وسنوات وآراء فى قضايا لم تعد معلقة لم تحل فالمتتبع لأعماله سيدرك أنه كم من قضايا ومشكلات طرحها حجازى فى رسوماته لم تحل ولم يطرأ عليها جديد لذلك قرر أن يرحل... ولم يرحل عندما مات إنما رحل عندما قرر ألا يرى أحدا ولا يراه أحد، حتى عندما كنا بعض أصدقائه وأنا نزوره فى طنطا لم نكن نمكث سوى دقائق قليلة رغم بعد المسافة فلم تعد روحه الطيبة الشفافة تتحمل أن يراه أحد أو يرى هو أحدا.
كانت رحلتى الأخيرة إلى طنطا بطعم السواد، سواء الملابس ومرارة فى الحلق وحزن عميق فى القلب وكذلك سواد الواقع، فالوجوه من حولى فى محطة مصر وفى الميكروباص الذى ركبته لم تعد هى الوجوه البشوشة التى كان يرسمها حجازى بل تحولت إلى وجوه حزينة، وأرواح متطرفة فى كل شىء فى الملبس وردود الأفعال.
لم يرحل عنا حجازى يوم الجمعة 21 أكتوبر فى الثامنة صباحا بل إنه رحل قبلها بكثير عندما لم يتحمل قلبه مجاراة الواقع.
حجازى إنسان وفنان يحمل قلب عصفورة وعقل فيلسوف ووجها مصريا أنهكه البقاء. رغم أن الموت كان متوقعا... إلا أننى سأظل أفتقده طالما حييت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق