من جريدة المصرى اليوم لفت نظرى قصة نجاح رائعة لمهندس مصرى فى المانيا تخصص فى هندسة الانفاق ومن اعجابى بهذه القصة قررت نقل الجزء الأخير من القصة لأن هذا الجزء يحكى قصة اسرة المهندس هانى حلمى عازر والده الذى كان يعمل فنى بالسكة الحديد ووالدته بنت العمدة واخته التى ارضعتها سيدة مسلمة فى طنطا القصة جميلة وتستحق القراءة والتأمل **محمد سيد نجا
.. وهكذا انتهى حديث المهندس المصرى هانى حلمى عازر مع «المصرى اليوم» فى برلين، قرأتم حواره على مدى 4 حلقات، وعرفتم شعاره وكيف أنه لا شىء مستحيل فلكل مشكلة طريق حل، كما يردد. ولكن بقى أن نعرف بعض ملامح الرجل هنا فى مصر، بيت أسرته فى حدائق القبة، وإخوته الخمسة، الذين لا يقلون عنه شيئاً فى الخلق والطموح، وجذور تلك النبتة التى ملأت الدنيا ريحاً طيبة.
الأب «حلمى عازر»، والأم «آنجيل صليب يوسف»، لتدرك أن تغيير مصر وتقدمها ونهضتها تبدأ من كل أسرة مصرية تستطيع أن تغرس فى أولادها قيم الأخلاق والعلم والقدرة على الصمود مهما كانت التحديات.
المقدمات الصحيحة تمنحنا دوماً نتائج صحيحة، هكذا علمونا عند دراستنا لعلم المنطق، فإذا كانت البداية مضبوطة، فالخاتمة ستكون على شاكلتها، والعكس صحيح. ولذا كانت نقطة البداية المنطقية للتعرف على المهندس هانى عازر تبدأ من هنا من مصر، لنعرف لأى المقدمات الصحيحة ينتمى، ونعرف تلك الجذور التى أخرجت تلك النبتة البارة العفية، وكيف كانت تربيته التى خرج منها لألمانيا يحفر تحت أرضها أنفاقاً وطرقاً ويشيد على دروبها مبانى يتركها لتتحدث عنه.
ولهذا السبب وفى انتظار اللقاء الذى تحدد قبل موعده بما يزيد عن الشهر، كان بحثنا عن جذور المهندس هانى عازر، لنجدها فى أحد الشوارع المتفرعة من شارع مصر والسودان بحدائق القبة. هناك كان الموعد مع المهندس جرجس عازر الشقيق الأكبر للمهندس هانى الذى مازال يقطن فى منزل الأسرة بحدائق القبة بعد رحيل الأب والأم وتفرق الإخوة كل فى طريق.
الطريق للمنزل يدلك لأى الطبقات كانت تنتمى أسرة المهندس هانى عازر، فهم يقطنون فى حى كانت تسكنه الطبقة المتوسطة بكل فئاتها، عمارة من عدة طوابق لا تزيد على الخمسة فى شارع أحمد بسيونى، تحتل شقة الأسرة فيها الطابق الأول. طرقنا الباب فتحته لنا سيدة تخطت الستين تحتفظ بوجه بشوش مرحب ومظهر لا تخفى عنه أناقة غير متكلفة، عرفنا أنها شقيقة المهندس هانى، الدكتورة فايزة، التى تركتنا وعادت تمسك بيد أخيها المهندس جرجس، الشقيق الأكبر كما يطلقون عليه وحافظ ذاكرة العائلة، جلسنا فى غرفة الجلوس تتابع جلستنا صور قديمة للأب والأم تتصدران الحائط، ويتابعان سرد المهندس جرجس للتفاصيل .
«حلمى عازر» موظف فنى إدارى بهيئة سكة حديد مصر، هذا هو اسم أبينا وعمله. هكذا بدأ المهندس جرجس الحديث، وأكمله قائلاً: «تزوج أبواى فى مطلع الثلاثينيات، وأنجبانا ستة إخوة، ابنتين وأربعة ذكور، أنا أكبرهم ولدت فى العام 1933، ثم طلعت وفايزة وسهير، ويحتل أخى هانى الترتيب الخامس بيننا، ويليه أخونا الأصغر نبيل».
عندما تستمع لحديث المهندس جرجس تستشعر امتداد جين الطموح فى العائلة، فهو لم يكتف بالحصول على ليسانس الحقوق، بل أتبعه ببكالوريوس الهندسة، ثم ليسانس آداب إنجليزى من جامعة عين شمس، بينما شقيقه طلعت حاصل على ماجستير فى التربية ويعيش فى ألمانيا، تليهما دكتورة فايزة التى تخرجت فى كلية الطب جامعة عين شمس وتخصصت فى التخدير والرعاية المركزة وحصلت من فرنسا فى الستينيات على شهادة معادلة وعملت وعاشت هناك، أما شقيقتهم سهير فقد سافرت للنمسا لدراسة السياحة بعد حصولها على ليسانس آداب قسم تاريخ، ونصل لهانى الذى سيطول الحديث عنه، أما الأخ الأصغر نبيل فهو الآن مدير عام بالإذاعة المصرية، ويلح السؤال علينا، أى أب ذلك الذى يكافح لتعليم أولاده الستة براتب موظف بسيط، بل ويترك لهم حرية السفر للخارج لمتابعة التعليم حتى للبنات منهم؟
سؤال أجاب عنه بالقول المهندس جرجس: «رغم بساطة حياتنا وانتمائنا لأسرة مستورة لا ميسورة، إلا أن أبى كان محباً للعلم بشكل فاق فى بعض الأوقات قدرته المادية، ولكنه لم يتأخر عن تقديم كل ما لديه لنا لنكمل تعليمنا كما نحب. لم يقف فى وجه رغبة أحد منا فى يوم ما ويمنعنا عن مواصلة طريق الطموح. وبالحب كان رفيقاً لنا طيلة حياته. كان يخرج اللقمة من فمه ليعطيها لنا، ورغم ذلك لم نشعر فى أى يوم أننا نمر بضائقة مالية أو ظروف تعوقنا عن مواصلة الحياة أو بتنا جوعى، دائما بيتنا مستور. ورغم مصاريفنا الكثيرة كنا نشعر دوما بيد ربنا معنا، وكان بابا وماما يرددان دوماً دعاء: يا رب سترك».
وهكذا نقف مرة أخرى أمام «الستر» كلمة السر لملايين الأسر المصرية، تمنحهم الشبع والقدرة على مواصلة الأيام دون أن يدركوا سبب عبورهم رحلة الحياة بذلك اليسر.
يكمل المهندس جرجس حديثه متحدثا عن «آنجيل صليب يوسف» التى كانت عضواً مؤسساً فى تلك المنظومة الحياتية، ابنة العمدة التى تزوجت من موظف تنقل بها من مدينة لأخرى بحكم ظروف عمله. يقول المهندس جرجس: «مثل جميع أمهاتنا فى تلك الفترة، لم تكن والدتى متعلمة لكنها كانت تمتلك خبرة حياتية وحكمة اكتسبتهما من متابعتها لجلسات أبيها العمدة مع كبار أهل البلد فى إحدى قرى طنطا، وأحاديثهم فى شتى شؤون الحياة، وكانت الأمثال الشعبية طريقتها المفضلة لشرح وجهة نظرها، فكانت تحفظ العديد منها إلا أن أكثر ما كانت تردده منها هو «اعمل الخير وارميه البحر»، بالإضافة لكل هذا كانت مدبرة منزل من الطراز الأول، تلبى كل احتياجاتنا بشكل يتفوق على أمهر وزراء المالية. ولكن فى اعتقادى أن الحب الذى رعتنا به مع أبى سر عبورهما بنا الرحلة بنجاح. كانا يحبان الحياة والناس والجيران المسلم والمسيحى».
ما أروع ذلك الزمن الذى كان الحب شعاراً له ولم يكن يعرف مسيحيين ومسلمين ويهوداً، كان الكل سواسية لا يفرق بينهم سوى مكان العبادة، دون أن تتهم فئة الأخرى بتهديد أمنها وعقيدتها.
تلتقط الدكتورة فايزة الحديث من شقيقها وتقول: «بحكم ظروف بابا تنقلنا للعيش فى أكثر من مكان، عشنا فى طنطا والمنصورة والقاهرة، وأنا ولدت فى المنصورة عام 1943، وعند ولادتى كان لى توأم توفيت عقب الولادة ولذا مرضت أمى لدرجة أنها لم تستطع إرضاعى، وتولت عنها تلك المهمة الست «أم عشرى» جارتنا وصاحبة المنزل فى طنطا وأرضعتنى مع ابنها عشرى، كانت طيبة وتحبنا ونحبها. وهكذا يجرى فى عروقى دم مسيحى مسلم».
الطريف أن هذا الأخ فى الرضاعة بات بعد ذلك رئيس جامعة طنطا الدكتور العشرى حسين درويش الذى توفى منذ عدة سنوات وظل على علاقة مع أسرة الأستاذ عازر حتى بعد انتقالهم للقاهرة.
وتكمل الدكتورة فايزة جزءاً آخر من الحديث قائلة: «أما علاقة هانى بنا وبوالدينا، فكانت علاقة مميزة لأنه كان دمث الخلق وطيب القلب وكاتماً لأسرارنا جميعاً، وعاشقاً للعبة كرة القدم الشراب فى الشارع، وكان أبى يغدق عليه الحب مثلنا. الحقيقة كان أبى رائعاً ورغم الصورة التى اشتهرت عن الأب فى تلك السنوات، إلا أنه كان هو وأمى أصدقاءنا بكل ما تحمله الكلمة من معان، نحكى لهما كل شيء يحدث لنا ويمنحانا النصيحة. ولا أذكر أنه عاقب أحدنا بالضرب فى يوم من الأيام، كان العقاب بالحرمان من شيء نحبه».
لا يتوقف نجاح حرث الأستاذ حلمى عازر على المستوى الدولى مع ابنه المهندس هانى فى ألمانيا، وابنته الدكتورة فايزة الطبيبة فى فرنسا وحسب، ولكن البعض منه نجح على المستوى المحلى أيضاً، فابنه جرجس صار مهندساً مرموقاً فى عالم الرى وشارك فى استصلاح العديد من الأراضى المصرية من ملوى فى الصعيد إلى وادى النطرون فى الدلتا، كما رأس تحرير مجلة المهندسين لفترة، وشارك فى تأسيس جريدة وطنى،
وكذلك ابنه نبيل الذى تخرج فى كلية الآداب ويعمل مديرا بالإذاعة، وابنته سهير التى كانت مديرة بهيئة تنشيط السياحة، وهى القريبة من المهندس هانى عازر، بحكم تقاربهما فى العمر فهى السابقة له مباشرة بين الإخوة. ولذا كانت من فسر لنا سر اختلاف شكل إصبع الخنصر فى يد المهندس هانى عازر عن بقية أصابع يديه. تقول: «كنا صغاراً وهانى لم يتجاوز الرابعة أو الخامسة، وكنا لا نزال نعيش فى طنطا،
وأرسلتنى أمى لشراء شيء من البقال ومعى هانى الذى أمسكته بيدى، وفجأة جذب أحدهم يد هانى ووضعها بين مفصل باب وأغلقه عليه، ووجدت هانى يصرخ ويبكى وبتلقائية طفلة سارعت لجذب يد هانى من الباب، لا لفتحه وإخراج يده منها وجاء أبى على صوت صراخ هانى فلم يسأل عمن فعل هذا، بل سارع به للمستشفى وعالجه وبعدها عرف أن شخصا فى شارعنا لم يكن يحبنا هو من فعل ذلك فلم يتحدث معه وذهب لقسم الشرطة الذى عاقب الرجل؛ ولذا كلما رأيت إصبع هانى تذكرت تلك الواقعة التى لم تبرح خيالى حتى يومنا هذا. وبخاصة أن هانى كان حبيب والدى بشكل جعلنا جميعا نحنو عليه ونعامله كابن لنا، ولكنه تدليل لم يفسد بل كان حصنا له فى الدنيا».
تتحدث أسرة المهندس هانى عنه بحب وفخر، وتستشهد شقيقته سهير بدعوة أخيها لها لحضور حفل التكريم الألمانى له وتقول: «كلهم كانوا سعداء بهانى هو يستحق هذا فهو ليس مهندساً بارعاً وحسب ولكن طيب القلب وشديد الارتباط بمصر، حتى إنه حينما اختار زوجته الألمانية، لم يخترها دون معرفة عائلتها وأسلوب تربيتها، هانى صعيدى فى ألمانيا أصر على أن تكون زوجته من عائلة محافظة، وأذكر أنه عند تقدمه للارتباط بها سألت عائلتها عنا هنا فى مصر، وسعد أبى واطمأن لذلك وبرر ذلك بالقول إن الأسرة التى تصر على السؤال عن عائلة من يتقدم لابنتها، عائلة تعرف الأصول وتحرص على الاختيار الجيد، وهو ما كان وأثبتت الأيام صحته».
تترك بيت أسرة المهندس هانى عازر وأنت تتمنى أن يسود الحب والتفاهم والمثابرة كل بيوت مصر، وأن تكون التربية وتحصيل العلم وتحقيق الطموح هدف كل رب أسرة وأن يأتى بعد ذلك أى شىء آخر.
الأب «حلمى عازر»، والأم «آنجيل صليب يوسف»، لتدرك أن تغيير مصر وتقدمها ونهضتها تبدأ من كل أسرة مصرية تستطيع أن تغرس فى أولادها قيم الأخلاق والعلم والقدرة على الصمود مهما كانت التحديات.
المقدمات الصحيحة تمنحنا دوماً نتائج صحيحة، هكذا علمونا عند دراستنا لعلم المنطق، فإذا كانت البداية مضبوطة، فالخاتمة ستكون على شاكلتها، والعكس صحيح. ولذا كانت نقطة البداية المنطقية للتعرف على المهندس هانى عازر تبدأ من هنا من مصر، لنعرف لأى المقدمات الصحيحة ينتمى، ونعرف تلك الجذور التى أخرجت تلك النبتة البارة العفية، وكيف كانت تربيته التى خرج منها لألمانيا يحفر تحت أرضها أنفاقاً وطرقاً ويشيد على دروبها مبانى يتركها لتتحدث عنه.
ولهذا السبب وفى انتظار اللقاء الذى تحدد قبل موعده بما يزيد عن الشهر، كان بحثنا عن جذور المهندس هانى عازر، لنجدها فى أحد الشوارع المتفرعة من شارع مصر والسودان بحدائق القبة. هناك كان الموعد مع المهندس جرجس عازر الشقيق الأكبر للمهندس هانى الذى مازال يقطن فى منزل الأسرة بحدائق القبة بعد رحيل الأب والأم وتفرق الإخوة كل فى طريق.
الطريق للمنزل يدلك لأى الطبقات كانت تنتمى أسرة المهندس هانى عازر، فهم يقطنون فى حى كانت تسكنه الطبقة المتوسطة بكل فئاتها، عمارة من عدة طوابق لا تزيد على الخمسة فى شارع أحمد بسيونى، تحتل شقة الأسرة فيها الطابق الأول. طرقنا الباب فتحته لنا سيدة تخطت الستين تحتفظ بوجه بشوش مرحب ومظهر لا تخفى عنه أناقة غير متكلفة، عرفنا أنها شقيقة المهندس هانى، الدكتورة فايزة، التى تركتنا وعادت تمسك بيد أخيها المهندس جرجس، الشقيق الأكبر كما يطلقون عليه وحافظ ذاكرة العائلة، جلسنا فى غرفة الجلوس تتابع جلستنا صور قديمة للأب والأم تتصدران الحائط، ويتابعان سرد المهندس جرجس للتفاصيل .
«حلمى عازر» موظف فنى إدارى بهيئة سكة حديد مصر، هذا هو اسم أبينا وعمله. هكذا بدأ المهندس جرجس الحديث، وأكمله قائلاً: «تزوج أبواى فى مطلع الثلاثينيات، وأنجبانا ستة إخوة، ابنتين وأربعة ذكور، أنا أكبرهم ولدت فى العام 1933، ثم طلعت وفايزة وسهير، ويحتل أخى هانى الترتيب الخامس بيننا، ويليه أخونا الأصغر نبيل».
عندما تستمع لحديث المهندس جرجس تستشعر امتداد جين الطموح فى العائلة، فهو لم يكتف بالحصول على ليسانس الحقوق، بل أتبعه ببكالوريوس الهندسة، ثم ليسانس آداب إنجليزى من جامعة عين شمس، بينما شقيقه طلعت حاصل على ماجستير فى التربية ويعيش فى ألمانيا، تليهما دكتورة فايزة التى تخرجت فى كلية الطب جامعة عين شمس وتخصصت فى التخدير والرعاية المركزة وحصلت من فرنسا فى الستينيات على شهادة معادلة وعملت وعاشت هناك، أما شقيقتهم سهير فقد سافرت للنمسا لدراسة السياحة بعد حصولها على ليسانس آداب قسم تاريخ، ونصل لهانى الذى سيطول الحديث عنه، أما الأخ الأصغر نبيل فهو الآن مدير عام بالإذاعة المصرية، ويلح السؤال علينا، أى أب ذلك الذى يكافح لتعليم أولاده الستة براتب موظف بسيط، بل ويترك لهم حرية السفر للخارج لمتابعة التعليم حتى للبنات منهم؟
سؤال أجاب عنه بالقول المهندس جرجس: «رغم بساطة حياتنا وانتمائنا لأسرة مستورة لا ميسورة، إلا أن أبى كان محباً للعلم بشكل فاق فى بعض الأوقات قدرته المادية، ولكنه لم يتأخر عن تقديم كل ما لديه لنا لنكمل تعليمنا كما نحب. لم يقف فى وجه رغبة أحد منا فى يوم ما ويمنعنا عن مواصلة طريق الطموح. وبالحب كان رفيقاً لنا طيلة حياته. كان يخرج اللقمة من فمه ليعطيها لنا، ورغم ذلك لم نشعر فى أى يوم أننا نمر بضائقة مالية أو ظروف تعوقنا عن مواصلة الحياة أو بتنا جوعى، دائما بيتنا مستور. ورغم مصاريفنا الكثيرة كنا نشعر دوما بيد ربنا معنا، وكان بابا وماما يرددان دوماً دعاء: يا رب سترك».
وهكذا نقف مرة أخرى أمام «الستر» كلمة السر لملايين الأسر المصرية، تمنحهم الشبع والقدرة على مواصلة الأيام دون أن يدركوا سبب عبورهم رحلة الحياة بذلك اليسر.
يكمل المهندس جرجس حديثه متحدثا عن «آنجيل صليب يوسف» التى كانت عضواً مؤسساً فى تلك المنظومة الحياتية، ابنة العمدة التى تزوجت من موظف تنقل بها من مدينة لأخرى بحكم ظروف عمله. يقول المهندس جرجس: «مثل جميع أمهاتنا فى تلك الفترة، لم تكن والدتى متعلمة لكنها كانت تمتلك خبرة حياتية وحكمة اكتسبتهما من متابعتها لجلسات أبيها العمدة مع كبار أهل البلد فى إحدى قرى طنطا، وأحاديثهم فى شتى شؤون الحياة، وكانت الأمثال الشعبية طريقتها المفضلة لشرح وجهة نظرها، فكانت تحفظ العديد منها إلا أن أكثر ما كانت تردده منها هو «اعمل الخير وارميه البحر»، بالإضافة لكل هذا كانت مدبرة منزل من الطراز الأول، تلبى كل احتياجاتنا بشكل يتفوق على أمهر وزراء المالية. ولكن فى اعتقادى أن الحب الذى رعتنا به مع أبى سر عبورهما بنا الرحلة بنجاح. كانا يحبان الحياة والناس والجيران المسلم والمسيحى».
ما أروع ذلك الزمن الذى كان الحب شعاراً له ولم يكن يعرف مسيحيين ومسلمين ويهوداً، كان الكل سواسية لا يفرق بينهم سوى مكان العبادة، دون أن تتهم فئة الأخرى بتهديد أمنها وعقيدتها.
تلتقط الدكتورة فايزة الحديث من شقيقها وتقول: «بحكم ظروف بابا تنقلنا للعيش فى أكثر من مكان، عشنا فى طنطا والمنصورة والقاهرة، وأنا ولدت فى المنصورة عام 1943، وعند ولادتى كان لى توأم توفيت عقب الولادة ولذا مرضت أمى لدرجة أنها لم تستطع إرضاعى، وتولت عنها تلك المهمة الست «أم عشرى» جارتنا وصاحبة المنزل فى طنطا وأرضعتنى مع ابنها عشرى، كانت طيبة وتحبنا ونحبها. وهكذا يجرى فى عروقى دم مسيحى مسلم».
الطريف أن هذا الأخ فى الرضاعة بات بعد ذلك رئيس جامعة طنطا الدكتور العشرى حسين درويش الذى توفى منذ عدة سنوات وظل على علاقة مع أسرة الأستاذ عازر حتى بعد انتقالهم للقاهرة.
وتكمل الدكتورة فايزة جزءاً آخر من الحديث قائلة: «أما علاقة هانى بنا وبوالدينا، فكانت علاقة مميزة لأنه كان دمث الخلق وطيب القلب وكاتماً لأسرارنا جميعاً، وعاشقاً للعبة كرة القدم الشراب فى الشارع، وكان أبى يغدق عليه الحب مثلنا. الحقيقة كان أبى رائعاً ورغم الصورة التى اشتهرت عن الأب فى تلك السنوات، إلا أنه كان هو وأمى أصدقاءنا بكل ما تحمله الكلمة من معان، نحكى لهما كل شيء يحدث لنا ويمنحانا النصيحة. ولا أذكر أنه عاقب أحدنا بالضرب فى يوم من الأيام، كان العقاب بالحرمان من شيء نحبه».
لا يتوقف نجاح حرث الأستاذ حلمى عازر على المستوى الدولى مع ابنه المهندس هانى فى ألمانيا، وابنته الدكتورة فايزة الطبيبة فى فرنسا وحسب، ولكن البعض منه نجح على المستوى المحلى أيضاً، فابنه جرجس صار مهندساً مرموقاً فى عالم الرى وشارك فى استصلاح العديد من الأراضى المصرية من ملوى فى الصعيد إلى وادى النطرون فى الدلتا، كما رأس تحرير مجلة المهندسين لفترة، وشارك فى تأسيس جريدة وطنى،
وكذلك ابنه نبيل الذى تخرج فى كلية الآداب ويعمل مديرا بالإذاعة، وابنته سهير التى كانت مديرة بهيئة تنشيط السياحة، وهى القريبة من المهندس هانى عازر، بحكم تقاربهما فى العمر فهى السابقة له مباشرة بين الإخوة. ولذا كانت من فسر لنا سر اختلاف شكل إصبع الخنصر فى يد المهندس هانى عازر عن بقية أصابع يديه. تقول: «كنا صغاراً وهانى لم يتجاوز الرابعة أو الخامسة، وكنا لا نزال نعيش فى طنطا،
وأرسلتنى أمى لشراء شيء من البقال ومعى هانى الذى أمسكته بيدى، وفجأة جذب أحدهم يد هانى ووضعها بين مفصل باب وأغلقه عليه، ووجدت هانى يصرخ ويبكى وبتلقائية طفلة سارعت لجذب يد هانى من الباب، لا لفتحه وإخراج يده منها وجاء أبى على صوت صراخ هانى فلم يسأل عمن فعل هذا، بل سارع به للمستشفى وعالجه وبعدها عرف أن شخصا فى شارعنا لم يكن يحبنا هو من فعل ذلك فلم يتحدث معه وذهب لقسم الشرطة الذى عاقب الرجل؛ ولذا كلما رأيت إصبع هانى تذكرت تلك الواقعة التى لم تبرح خيالى حتى يومنا هذا. وبخاصة أن هانى كان حبيب والدى بشكل جعلنا جميعا نحنو عليه ونعامله كابن لنا، ولكنه تدليل لم يفسد بل كان حصنا له فى الدنيا».
تتحدث أسرة المهندس هانى عنه بحب وفخر، وتستشهد شقيقته سهير بدعوة أخيها لها لحضور حفل التكريم الألمانى له وتقول: «كلهم كانوا سعداء بهانى هو يستحق هذا فهو ليس مهندساً بارعاً وحسب ولكن طيب القلب وشديد الارتباط بمصر، حتى إنه حينما اختار زوجته الألمانية، لم يخترها دون معرفة عائلتها وأسلوب تربيتها، هانى صعيدى فى ألمانيا أصر على أن تكون زوجته من عائلة محافظة، وأذكر أنه عند تقدمه للارتباط بها سألت عائلتها عنا هنا فى مصر، وسعد أبى واطمأن لذلك وبرر ذلك بالقول إن الأسرة التى تصر على السؤال عن عائلة من يتقدم لابنتها، عائلة تعرف الأصول وتحرص على الاختيار الجيد، وهو ما كان وأثبتت الأيام صحته».
تترك بيت أسرة المهندس هانى عازر وأنت تتمنى أن يسود الحب والتفاهم والمثابرة كل بيوت مصر، وأن تكون التربية وتحصيل العلم وتحقيق الطموح هدف كل رب أسرة وأن يأتى بعد ذلك أى شىء آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق