السبت، 19 مارس 2011

جريدة النهار اللبنانية تدلو بدلوها فى استفتاء الدستور المصرى (لا للتعديل ) 19/3/2011

مصر: "الإخوان" حوّلوا الاستفتاء صراعاً على علاقة الدين بالسياسة
متظاهرون في ميدان التحرير بوسط القاهرة يرفعون لافتة ضد التعديلات الدستورية المطروحة على الاستفتاء اليوم. (أ ف ب)
القاهرة - من جمال فهمي:
بعض الناس ربما أخذهم الانفعال الشديد بالأجواء البالغة السخونة المصاحبة للإستفتاء المنتظر إجراؤه اليوم على تسعة مواد دستورية اقترحها المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يحكم البلاد منذ نجاح "ثورة 25 يناير" في اطاحة الرئيس السابق حسني مبارك ، إلى حد القول بحماسة أن الـ45 مليون مواطن المدعوين للمشاركة في هذا الاستفتاء سيحسمون أولى جولات الصراع الاجتماعي المحتدم حول الشكل والملامح بل الهوية لـ"مصر الجديدة" تلك التي تسعى وتعمل من أجلها قوى متنوعة ومختلفة المصالح والمشارب والأهداف جمعها المشهد الاحتجاجي العارم في ميدان التحرير وباقي شوارع مصر وميادينها طوال أيام الثورة الـ18 وأرجأت الثورة بروز تناقضاتها من غير أن تلغيها طبعا.
هؤلاء المنفعلون يستندون في حماستهم الى أسباب ومظاهر واقعية تؤكد أن الصراع على صورة مصر السياسية بعد مبارك بدأ فعلا، وتجلى في الاستقطاب والفرز غير المسبوقين اللذين انتهى اليهما الجدل العاصف الذي دار طوال أيام الأسبوع الماضي حول الاجابة عن سؤال: هل "نعدل" ونهذب دستورا مهترئا حكم به مبارك البلاد حكما عائليا بسلطات مطلقة وشبه إلهية طوال ثلاثين عاما وعطله المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه فور توليه السلطة في 11شباط الماضي؟ أم نذهب مباشرة وبعد فترة انتقالية محدودة يحكمها إعلان دستوري مختصر الى دستور جديد ديموقراطي وعصري تضعه جمعية تأسيسية قد تأتي بالانتخاب أو بالحوار والتوافق بين قوى المجتمع وتياراته السياسية والفكرية المختلفة؟
وبسرعة بدأ فرز الأفرقاء الذين ظهروا كأنهم حلفاء أيام الثورة على نظام مبارك، وتوزعوا فورا على جانبي الإجابة عن سؤال الاستفتاء "نعم" أم "لا" لمواد أقحمت في الدستور القديم تخفف القيود "التعجيزية" على الترشح لمنصب الرئيس، تلك التي فصلها مبارك على قياسه وقياس نجله جمال، كما تخفض مدة الولاية من ست الى أربع سنوات وتضع سقفا للبقاء في الحكم لا يتجاوز ولايتين رئاسيتين، وتلزم مادة من هذه التعديلات مجلسي الشعب والشورى اللذين سينتخبان خلال الأشهر الستة التي حددها الجيش فترة انتقالية، اختيار لجنة تتولى اعداد دستور جديد في غضون سنة من تاريخ انتخابهما.
وبينما تكتلت وأجمعت على قول "لا" لهذه التعديلات الدستورية كل القوى والاحزاب والحركات السياسية المدنية بمختلف تنوعاتها وأطيافها من الليبراليين إلى اليساريين ومن ناصريين وقوميين وشيوعيين إلى أحزاب تقليدية مثل حزب "الوفد" وحزب "التجمع" إلى حركات احتجاجية وشبابية جديدة مثل "كفاية" و"الجمعية الوطنية للتغيير" ومؤسسها المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي وكذلك "حركة 6 أبريل" و"ائتلاف شباب ثورة 25 يناير" ومع هؤلاء شخصيات بارزة كالأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي أعلن نيته الترشح للرئاسة منافسا للبرادعي - في مواجهة هذا الاصطفاف الهائل والواسع سارعت جماعة الاخوان المسلمين، وهي القوة السياسية الوحيدة التي تمثلت في لجنة اعداد هذه التعديلات الدستورية، الى اعلان تفردها بتأييد التعديلات قبل أن ينضم إليها ما تبقى من حزب مبارك (الحزب الوطني) وباقي الحركات والتجمعات الإسلامية الهامشية الأخرى من جماعة "السلفيين" المرتبطين بالأجهزة الامنية لنظام مبارك وحتى حزب "الوسط" الجديد الذي أسسه منشقون عن الجماعة.
هذا الاصطفاف المدهش، الذي جمع حصرا فلول نظام مبارك مع الاسلاميين على تنوع اوصافهم من التطرف الى الاعتدال في مواجهة سائر قوى المجتمع الى درجة ان الصراع الذي فجره الاستفتاء بدا مصبوغا في غير مناسبة بصبغة دينية بل طائفية، دفع كثيرين في مصر الى قراءة المشهد على أنه صراع بين القوى التي وسمت الصورة في ميدان التحرير بسمات الشبابية والعصرنة والنزوع الى التقدم الاجتماعي ونبذ التزمت، وقوى بدت كأنها مستميتة في استثارة كل الغرائز والنزعات والهواجس المناقضة تماما لهذه الصورة من ميل الى التشدد والمحافظة والتمترس في خناق الظلام المجتمعي والديني.
في الظاهر لم يبد أن هناك ذريعة أو مناسبة يمكن استغلالها في إثارة الموضوع الديني والطائفي ، إذ تخلو المواد الدستورية المعروضة للاستفتاء من اية اشارة الى المادة الثانية المثيرة للجدل في الدستور المعطل الذي استحدثه الرئيس سابقا انور السادات ونص على ان "مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". لكن جماعة "الاخوان المسلمين" قادت مع رفاقها في معسكر المؤيدين للتعديلات حملة دعاية تدعو المواطنين البسطاء في الريف والمناطق الشعبية الى التصوت بـ "نعم" باعتباره "واجبا شرعيا" لتأمين بقاء هذه المادة.
ولم يجد كثيرون تفسيرا لهذه الدعاية الدينية في موضوع سياسي بامتياز سوى محاولة تعبئة جمهور الناخبين من اجل تمرير هذه التعديلات التي يعتقد الاخوان انها وسيلتهم لفرض قواعد اللعبة الديموقراطية الجديدة بما يناسب مصالحهم ويسمح لهم بالحصول على نصيب يتجاوز حجم نفوذهم الواقعي في المجتمع من خلال اغتنام فرصة التعديلات للدستور المعطل التي يؤدي تمريرها الى اجراء الانتخابات البرلمانية في غضون ثلاثة اشهر اي قبل ان تتمكن القوى السياسية القديمة والقوى الجديدة التي أفرزتها الثورة من التبلور وتنظيم صفوفها وهو ما يتيح للجماعة ان تنافس وحدها في هذه الانتخابات رجال الاعمال من فلول النظام القديم مستفيدة من الميزة النسبية التي تتمتع بها حاليا والمتمثلة في كونها القوة السياسية الوحيدة ذات الامكانات التنظيمية والمالية الضرورية لخوض معركة انتخابية من هذا النوع وفي هذا الوقت.

ليست هناك تعليقات: