الثلاثاء، 18 يناير 2011

مصر :أم تتبرع بكليتها وربع كبدها لطفلها

ما أروعه من فداء‏,‏ وما أجلها من تضحية‏,‏ حين تقدم أم في ريعان الشباب ربع كبدها وكليتها في آن واحدة‏,‏ لفلذة كبدها ابن السنوات الأربع‏ .
حين لايكون هناك أمامه بد من البقاء حيا‏,‏ إلا بانتزاع جزء من كبد أمه وإحدي كليتيها‏..إنها الأم التي تضرب دوما أروع الأمثلة في التضحية لأجل أولادها‏,‏ بل وحتي الزوج‏,‏ فقصص التبرع لبعض مرضي الكبد في مصر بفصوص من الأكباد‏,‏ ملأي بالنجاحات التي كانت الزوجة سببا فيها‏,‏ حين قبلت أن يشاطرها زوجها طواعية كبدها‏,‏ ليستأنفا معا رحلة الحياة‏..‏
فلم يدر بخلد عبدالفتاح وابنة خالته‏,‏ أنهما سيدفعان معا ضريبة زواج الأقارب‏,‏ حين يرزقان بباكورة الأبناء توأما‏,‏ هما باهر وبسنت‏,‏ وبدلا من أن يمرح باهر مع توأمه جيئة وذهابا هنا وهناك في جنبات المنزل‏,‏ اختار القدر له القفز بين عيادات الأطباء وأسرة المستشفيات‏,‏ لأن إنزيما ناقصا من كبده لتكسير الأوكسالات‏,‏ سبب تراكمها في أنسجته‏,‏ فدفعت الكلي الثمن‏,‏ وهو الفشل‏..‏
فلم يكن هناك من خيار سوي الاستسلام لمبضع الجراحين‏,‏ في جراحة استغرقت‏9‏ ساعات توج الأطباء المصريين لأنفسهم إنجازا مهما‏,‏ بنجاحهم في زرع كلية وكبد لباهر‏,‏ والذي يعد من بين أصغر خمس حالات في العالم التي تجري لها عملية زرع كلي وكبد في آن واحد ومن متبرع حي‏..‏
ويقول الدكتور حازم أبوالفتوح إن هذا الطفل كان يعاني من عمر عامين من الفشل الكلوي نتيجة نقص في أحد إنزيمات الكبد المسئول عن تكسير أملاح الأوكسالات‏,‏ مما جعلها تترسب في كل أنسجة الجسم بما فيها الكلي‏,‏ ولو تم عمل زرع كلية فقط لهذا الطفل فسرعان ما كانت ستصاب بالفشل‏,‏ لأن نفس مشكلة نقص الإنزيم ستظل قائمة‏,‏ فكان لابد من زرع كلية وكبد في آن واحد‏,‏ للمحافظة علي الكلية المنزرعة وكل أنسجة الجسم من مخاطر ترسب الأوكسالات‏.‏
وأضاف الدكتور أبوالفتوح أن الطفل كان يجري عملية غسيل كلوي منذ عامين‏,‏ والأطفال المصابون بالفشل الكلوي في سن مبكرة تكون فرص الاصابة بالأمراض الفيروسية مرتفعة والحياة بالنسبة لهم محدودة‏,‏ ما لم يتم زرع كلية لهم‏,‏ ولتحضير الطفل قبل العملية خضع للغسيل الكلوي يوميا لمدة شهر لسحب الأوكسالات من جسمه‏,‏ والآن بعد العملية تحسنت حالته تماما‏,‏ بعدما بدأ الكبد المنزرع في تكسير الأوكسالات ومنع ترسبها في أنسجة الجسم‏,‏ وبالتالي بدأت الكلية والكبد يعملان بشكل طبيعي‏,‏ وحالته مستقرة تماما‏.‏
ولمزيد من التوضيح‏,‏ يقول الدكتور علاء فايز إن إنزيم الكبد الذي كان الطفل يعاني نقصه‏,‏ والذي يعد من الحالات النادرة‏,‏ ويقف وراء تدمير الكلية‏,,‏ وهو المسئول عن تحويل الأوكسالات في الجسم إلي مادة أخري تساعد الجسم علي التخلص منها‏,‏ ونقص هذا الإنزيم يرفع نسبة الأوكسالات في الدم وأول عضو تترسب فيه هو الكلي‏,‏ والتي تتحجر بمرور الوقت متحولة إلي اللون الأبيض‏,‏ كما بدا من حالة الطفل باهر عندما تم استئصالها من كثرة ترسب الأوكسالات فيها‏,‏ وهناك حالات تحدث لها هذه المشكلة في سن مبكرة‏,‏ وفي حالات أخري يتأخر ظهور المشكلة إلي سن البلوغ‏,‏ وفي كلتا الحالتين السبب هو نقص هذا الإنزيم‏,‏ ولابديل لهذه الحالات حتي اليوم سوي زرع الكلي والكبد معا‏,‏ علي أن يسبق الكبد زرع الكلية‏,‏ حتي لاتعاني الكلية المنزرعة نفس المشكلة ويكون مصيرها الفشل‏.‏
وفي خلال الجراحة‏,‏ التي استغرقت‏9‏ ساعات داخل مستشفي وادي النيل‏,‏ قال الدكتور علاء فايز إنه تم نقل جزء من الفص الأيسر بما يعادل ربع كبد الأم‏,‏ وبعد ذلك تم نقل الكلية اليسري منها‏,‏ ولأن الأعضاء المنزرعة جاءت من الأم‏,‏ تزيد فرص التوافق بينهما‏,‏ وبالتالي ترتفع فرص الحفاظ علي الكبد والكلية وعدم رفض جسم الطفل لهما‏,‏ لكن المشكلة التي تكون أمام الجراح في مثل هذه الحالة أن الأعضاء المنزرعة حجمها كبير لكي يتم وضعها في بطن طفل في الرابعة ووزنه لم يتجاوز‏12‏ كيلو جرام‏,‏ لذا يتم هنا زرع الكبد ثم إغلاق الجلد دون العضلات‏,‏ علي أن يتم إغلاق العضلات في جراحة لاحقة بعد أسبوعين‏,‏ بعدما تكون وضعية الكبد والكلي قد استقرت تماما‏.‏
بقي أن نعرف أن الأم خرجت من المستشفي بعدما تماثلت للشفاء‏,‏ وها هي تعود لتحتضن أبنها الذي يحمل بعضها‏,‏ ليودعا معا رحلة المعاناة بين أروقة المستشفيات‏..‏والأهم من ذلك أن تكون شكوي الأطفال من الحرقان وكثرة الحصوات البولية حافزا للمبادرة بالفحص والعلاج المبكر‏,‏ فربما ظهرت حالة مشابهة‏,‏ فيكون قرار التصدي لها مبكرا لإنقاذ حياة أطفال البراءة‏.‏

ليست هناك تعليقات: