السبت، 22 أكتوبر 2011

مواقف بقلم: أنيس منصور نشرت بالأهرام بعد وفاته 22-اكتوبر -2011


مواقف
بقلم: أنيس منصور


أنت لا تعرف حال الناس علي الأرض إلا إذا عرفت ماذا يقولون عندما يرفعون وجوههم إلي السماء‏..‏ فإن كانوا يعبدون الشمس فهم أيضا يعبدون البقر‏..‏ وإذا عبدوا البقر عبدوا صاحب البقر‏,‏ ومن يعطيهم ثمنها‏..‏
عبدوا الملك أو الكهنة فهم ـ إذن ـ وثنيون.. وإذا نظروا إلي السماء قالوا: إنها ما لا نهاية له من الحجارة والغازات تدور حول نفسها من ألوف ملايين السنين وبعيدة عنا ألوف ملايين السنين الضوئية. فأرضنا هذه ليست إلا نقطة علي حرف في كتاب من مليون جزء, أي أننا تافهون جدا ولكنه الغرور الذي ينفخ فينا ويجعلنا نطق من العنطزة.. ولكن علي الرغم من أن الأرض هكذا صغيرة.. ونحن أصغر من فيها من الكائنات لأننا أضعف من الميكروبات فنحن وحدنا الذين نعرف حدود عقلنا ومعني وجودنا.. وماضينا ومستقبلنا أيضا.. فنحن بالجسم أضعف من الفأر.. وبالعقل أنصاف آلهة..
إذا نظرت إلي السماء وقلت في نفسك ولنفسك لا أعرف حدود هذا الذي أري.. ولكن أعرف حدودي.. وأعرف معني وجودي أنا.. أما وجود الكون فلا أعرفه.. إذن يجب أن أبقي داخل حدودي ولا أخرج منها إلا بحساب.. فأنا يجب أن أعيش وأن أمضي في دفع عجلة التاريخ إلي الأمام, ولو ميللمترا واحدا.. فهذا دوري وهذه قدرتي وقدري أيضا.
ونحن لا نختلف كثيرا عن الصرصور والحمار والعصفور, وكلها تموت, فقط نحن نعرف من نحن.. ولكن معرفتنا هذه لا تفيدنا كثيرا لأنها قليلة وكليلة..
وإنما نحن نحاول أن تكون أيدينا أطول وعيوننا أبعد وآذاننا أعمق.. وهذه هي التكنولوجيا الحديثة: أي علوم تطوير الأدوات التي يستخدمها الإنسان لكي يبقي.. أي علوم الأطراف الصناعية.. فالصواريخ بدلا من الساقين.. والعدسات بدلا من العينين.. والليزر بدلا من الأذنين, والإلكترونيات بدلا من المخ!
أما إذا نظرت إلي السماء وقلبك مفتوح وذراعك وقلت: ساعدني علي ضعفي وعلي غروري.. اجعل نهايتي أفضل من بدايتي.. وعمري القصير أبديا في جنتك يارب.. إذا فعلت هذا فأنت أسعد الناس لأنه لا شيء يهديء القلب وينعش العقل ويريح الضمير مثل هذا الإيمان!

ليست هناك تعليقات: