دمشق، سوريا (CNN)-- بعد النجاح الذي حققته في مسلسل "الولادة من الخاصرة" خلال الموسم 2011، الذي حاز على المرتبة الأولى كأفضل عملٍ درامي في العديد من استطلاعات الرأي العربية والسورية، قالت المخرجة رشا شربتجي، في مقابلةٍ خاصة مع موقع CNN بالعربية، إن الرؤية تبدو لها ضبابيةً بالنسبة للموسم المقبل، رغم أن الكتاب السوريين أعدّوا له العديد من النصوص الرائعة.. وشددت على أن معظم مشكلات مجتمعنا العربي تدور حول فكرة القانون والأخلاق، والوظيفة الأساسية للدراما هي الترفيه، ولا يمكن أن تأخذ دور المصلح الاجتماعي.
وإليكم نص المقابلة:
- إلى أي مدى يمكن أن يعكس مسلسل "الولادة من الخاصرة" بشخصياته وأحداثه صورة المجتمع السوري اليوم؟
"لا يمكن أن يعكس أي مسلسل صورة وافية عن صورة أي مجتمع، لأن ذلك يتطلب الكثير من الإحصائيات الدقيقة عن مكوناته، ولا يستطيع أي عمل درامي فعلياً الإحاطة بكل تلك التفاصيل. أما مسلسل "الولادة من الخاصرة" فتناول بصورةٍ رئيسية ثلاث طبقات؛ طبقة العشوائيات المحيطة بدمشق، والتي مثّلت برأيي أكثر النماذج الإنسانية توافقاً على المستوى النفسي والاجتماعي، والطبقة الثانية هي رجال الأعمال، والثالثة هي طبقة ذوي السلطة ممثلةً في العمل بشخصيات متوسطة الدخل، إلا أنها تمتلك السلطة بحكم وظيفتها في المجتمع، ولكن كل الشخوص التي تناولها المسلسل تتسم بكونها حالات فردية، غير قابلة للتعميم، إلا أنها تنتمي إلى بيئات غنيّة وواقعية، وهذه تركيبة ذكية جداً قدمها الكاتب سامر رضوان بحيث تبدو مغرقة في واقعيتها رغم خصوصيتها الشديدة.... إذاً مسلسل "الولادة من الخاصرة" يسلط الضوء على فئات من مجتمعنا، لا يمكننا القول إنها تمثل المجتمع السوري ككل، حيث غابت الطبقة الوسطى عن العمل، وورد ذكرها بشكلٍ عابر في شخصية صاحب عيادة الإجهاض، بما تمثله العيادة من حلقة ربط بين الشخصيات والأحداث، هذا المكان الذي يختلط فيه الأمل بالألم في لحظة ولادة غير طبيعية، ومن هنا يأتي التركيز على عدة حالات من الولادة المتعسرة؛ ولادة الحلم، الحق، والأمل لشخصياتٍ خاصة يتناولها المسلسل."
- بعض من شاهد المسلسل وجد أن معظم شخصياته تنتمي في تركيبتها النفسية إلى لونٍ واحد؛ إما أبيض، أو أسود... طيبة، أو شريرة.. ما تعليقك على ذلك؟
"لا أعتقد أن هذا الحكم صحيح، فكل الشخصيات التي يفترض أن تكون شريرة في العمل مرّت بلحظات إنسانية، وإن كانت مستقطعة؛ كأبو مقداد، ورؤوف، وحتى الشخصيات الطيبة والمستسلمة، كشخصية جابر التي بدت متمردة على واقعها، وتخلت عن طيبتها ولو للحظات قليلة، في أكثر من موقف.. هكذا تحمل كل شخوص المسلسل بذوراً معاكسة لصفاتها العامة، تكون مكبوتةً في أعماقها، وتظهر بصورةٍ عفوية.. ومن رأى أن شخصيات العمل بلون واحد أدعوه لمتابعته مرّة أخرى."
- من هو الممثل الذي فاق توقعاتك على مستوى الأداء في "مسلسل الولادة من الخاصرة"؟
"لا يمكنني القول إن أحد الممثلين فاق توقعاتي على مستوى الأداء في المسلسل، لأن الجميع -وبدون مجاملة- أدّوا أدوارهم على أكمل وجه، ولكن سلوم حداد أبكاني أكثر من مرّة وراء المونيتور، لأنه أدى دوره في هذا العمل بإحساسٍ عالٍ جداً، ورسم كل تفاصيل شخصية واصل بمنتهى الاقتدار."
- نظراً لتساوي الأدوار تماماً بين أبطال المسلسل؛ هل يمكننا القول بإن هذا العمل أعاد الاعتبار لطابع البطولة الجماعية التي تعتبر السمة الأبرز للمسلسلات السورية؟
"هذا الكلام دقيق، لأن تركيبة النص الذي كتبه سامر رضوان صحيحة، وكما قلت اشتهرت المسلسلات السورية عموماً بالبطولات الجماعية، لكن قد تطغى شخصية على أخرى في بعض الأعمال، لاسيما تلك التي تركز على خط درامي واحد، وقد يميل لها المشاهد باعتبارها لا تشتت تركيزه. إلا أن مسلسل الولادة من الخاصرة أثبت العكس، لأن أحداثه تتحرك على أكثر من خط، وجميع شخصياته متساوية بالفعل والإحساس دون أن تشتت المتلقي، بهذا المعنى اعتقد بأن المسلسل نجح في إعادة الاعتبار لأعمال البطولة الجماعية."
-خلال تصوير المسلسل بدأت الأحداث تتفاعل في أكثر من مكان في العالم العربي؛ إلى أي حد انعكست هذه الأحداث على أجواء التصوير؟ وهل أجريتم أي تعديلات على النص ليبدو مواكباً لما يجري؟
"لا.. لم يتم تعديل أي جملة من سيناريو العمل، وصوّر تماماً كما أجازته الرقابة السورية، ولكن حينما بدأت الأحداث في مصر كنّا في آخر عشرة أيام من التصوير، وشعرت بالذهول من مدى قدرة الكاتب على استقراء ما يجري على الأرض قبل حدوثه، وبدا لي أن سامر رضوان يملك مقدرة خاصة على قراءة وجع الناس الذي يمكن أن يولد نوعاً من الانفجار، على هذا النحو الذي يجري في الشارع العربي."
- كان من المفروض أن تقدم رشا شربتجي خلال الموسم 2011 مسلسلاً ثانياً بعنوان "حياة مالحة" من تأليف الكاتب فؤاد حميرة، هل كان يمكن أن يخفف - لو أنجز- من بريق "الولادة من الخاصرة"؟
"على العكس تماماً... كنت آمل بأن أتمكن من إنجاز المسلسلين خلال موسم 2011، لأنهما مختلفان في الطرح، لكنهما يتحدثان عن نفس الهموم.. حياة مالحة يركز بصورة رئيسية على أن المعرفة قد تتحول في بعض الأحيان إلى لعنة أو عقاب، ويطرح سؤالاً جدلياً: أيهما أفضل؛ أن لا تعرف، أو تعرف وتسكت؟.. فيما يمكن تسميته لعبة الخوف والصمت، النص من إبداع الكاتب فؤاد حميرة، شريك نجاحي في مسلسل "غزلان في غابة الذئاب"، ولكن لم تشأ الظروف في إنجاز "حياة مالحة" خلال الموسم الماضي، وربما يكون قدر العمل كذلك، كي يتنسى لي إنجازه بتأنٍ أكبر في الموسم المقبل."
- متى تكون رشا شربتجي أفضل حالاً؟ حينما تنجز عملاً، أم عملين؟
"بالنسبة لي أتمكن من إنجاز عملين بنفس الإتقان خلال العام الواحد، وعلى المستوى المهني يبدو عمر المخرج قصيراً، فمهنة الإخراج تتطلب ساعات كبيرة من العمل، وتركيزاً، وجهداً خاصين، وطالما أنني في مرحلة الشباب يمكنني الإيفاء بمتطلبات هذه المهنة، وأحرص على أن يكون في أرشيفي أكبر عدد ممكن من الأعمال طالما أنني مقتنعة بها، وبإمكاني إنجازها على مستوى عالٍ، وذلك قبل الوصول إلى مرحلة عمرية لا يمكن العمل فيها بنفس الوتيرة. بالمقابل حينما يكون لدى المخرج عملين، فهذا يعني المزيد من الضغط، ونجاحهما معاً يعني لي الكثير؛ شخصياً، ومهنياً، وأعتقد أن موسمي 2009 و2010 كانا من المواسم الناجحة، وأنجزت فيهما على التوالي: "زمن العار" في سورية، "ابن الأرندلي" في مصر، و"أسعد الورّاق"، و"تخت شرقي" في سورية."
- من المعروف أن نصفك سوري والآخر مصري، وأنجزت أعمال في سورية ومصر؛ ما الذي أخذته رشا شربتجي معها إلى مصر؟ وماذا أحضرت إلى بلدها الأم على مستوى المهنة؟
"أخذت إلى مصر روح الشباب، وأسلوب العمل الجماعي الذي تتميز به الأعمال السورية، وكذلك المتعة في موقع التصوير، فلطالمنا عملنا بروح الهواة، ومازلنا كذلك. وحينما ذهبنا إلى القاهرة كفريق عمل يطغى عليه العنصر الشبابي، فوجئ بنا الكتور يحيى الفخراني حينما قابلنا لأول مرّة، وذلك لصغر سنناّ قياساً بحجم الأعمال التي قدمنّاها. بالمقابل أعطتني مصر الكثير، وحققت لي الانتشار على مستوى الوطن العربي، فحينما يتابع الجمهور المصري أعمال أي مخرج، فهذا يعني أن نصف الجمهور العربي تابع تلك الأعمال، وهذا ما لمسته في مسلسل "ابن الأرندلي" الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً لدى المصريين."
- حينما نقول مصر فأول ما يتبادر للأذهان صناعة السينما.. لماذا لا يوجد في رصيدك أي فيلم سينمائي حتى الآن سواءً في مصر أو سورية؟
"خلال مسيرتي المهنية عرض علي خمسة أفلام في مصر، من جانب شركات إنتاج مهمة لها سمعتها في هذا المجال، لكن النصوص التي عرضت لم تكن بسوية ما أنجزته في الدراما التلفزيونية وقدمته بروح السينما. وحينما أبحث عن فرصٍ سينمائية لتكون ضمن قائمة أرشيفي المهني، فهذا يعني بالنسبة لي أن تكون على مستوى يلبي طموحي في هذا الفن. وبالمقابل لم تعرض عليَ المؤسسة العامة للسينما في سورية سوى فيلم واحد، كما أن صناعة السينما في سورية متعثرة بسبب عوامل عديدة، منها قلة عدد دور العرض. ويمكنني القول إن الفرصة لم تأتِ بعد، لكنني حريصةٌ على ذلك."
- من يستعرض مسيرة رشا شربتجي المهنية يرى أنها بدأتها من الكوميديا، قبل الدخول في عوالمٍ أخرى، ما سر غياب الكوميديا عن أعمالك مؤخراً؟
"عندما أجد النص المناسب فلن أتردد في ذلك لحظة واحدة، وهذا لا يعني أن هناك أزمة نصوص فيما يتعلق بالكوميديا، بدليل وجود عمل مثل "ضيعة ضايعة"، و"الخربة" لليث حجو، إلا أنّ مثل هذه النصوص لا تصلني، لكنني أعوض عن ذلك في أعمالي حينما أحرص على تعزيز النفَسِ الكوميدي الذي قد يكون موجوداً لدى بعض الشخصيات، مثل معظم شباب مسلسل "تخت شرقي"، وعدة شخصيات في مسلسل "الولادة من الخاصرة"، وأعول على تلك اللحظات التي يمكن أن تشكل لدى المشاهد متنفساً من قسوة الواقع. وأنا بانتظار نصوص كوميدية تدفع المتلقي للضحك معي، لا عليّ، وتبقى الكوميديا بالنسبة لأي مخرج أو فنّان؛ الفن الأصعب والأخطر، وهذا ليس مجرد كلام.. بل الحقيقة."
- في معرض الحديث عن العلاقة بالمشاهد؛ هناك من قال أن الدراما السورية رغم تفوقها، وتسليطها على الكثير من مكامن الخلل في مجتمعنا؛ لم تفلح في إيجاد الوعي الكافي لدى المتلقي على مستوى الحراك الاجتماعي، أو تغيير أي واقع على الأرض... ما تعليقك على ذلك؟
" ينبغي أن لا ننسى أن الوظيفة الأساسية للدراما هي الترفيه، وقد يحمل هذا الترفيه الكثير من الرسائل منها الإضاءة على مشكلة اجتماعية ما، أو مجموعة مشكلات قد لا يكون لدى الكاتب رؤية لحلّها، وقد يقدم حلولاً رغم أن ذلك ليس مطلوباً منه، لكنها تبقى مجرد اقتراحات، وإذا كانت هذه الاقتراحات فعّالة لاستطعنا أن نخلق المدينة الفاضلة من خلال ما تناولناه من قضايا اجتماعية في عشرات الأعمال الدرامية. أعتقد أن مشكلاتنا تحتاج إلى عقود لترميمها، ولا يمكن حلّها برأيي إلا من خلال التربية، التي تعتبر مسؤولية العديد من الأطراف: كالأسرة، والمدرسة، والإعلام، والإنترنت، والدراما التي تقوم بجزء من هذا الدور دون تضخيم تأثيرها على هذا المستوى أكثر من اللازم. وأرى أن معظم مشاكلنا في العالم العربي تدور حول فكرة القانون والأخلاق، وحينما نحترم القانون يصبح لدينا أخلاق تراكمية، وتطغى فضائلنا بحكم العادة على معظم سلوكياتنا، إذاً نحن بحاجة إلى قانون صارم، مع احترام الحق في حرية التعبير، والدراما لا يمكن أن تتحول إلى مصلح اجتماعي، وهناك متخصصين في حل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا."
- في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد، هل تتوقعين أن تولد الدراما السورية في ظروفٍ طبيعية لموسم 2012؟
"تبدو الصورة ضبابيةً بالنسبة لي حتى الآن، على المستوى الفني عرض علي أكثر من نص رائع، أي أن الأساس لدراما جيدة موجود، والكتاب السوريون يقدمون أفضل ما عندهم، ولكن هذا لا يكفي، فهناك وضع المنتجين السوريين في ظل الظروف الحالية، وعلاقتهم بالمحطات العربية، لكن أملي يبقى كبيراً، فما زالت الدراما السورية محببة لدى المشاهد العربي، وقادرة على استقطاب المعلن، وهذا في غاية الأهمية بالنسبة للمحطات العارضة. كما أتوقع أن يلعب قانون الإعلام الجديد الذي صدر في سورية مؤخراً دوراً في ازدهار هذه الصناعة، عبر منح المزيد من التراخيص لمحطات فضائية محلية جديدة، نستطيع من خلالها طرح أفكارنا على المستوى الوطني، وإنتاج دراما مغرقة في المحلية، والتي تعتبر ضمانةً رئيسية لتحقيق انتشار أكبر، عربياً، وعالمياً على المدى البعيد."
- ما هي المشاريع الأقرب للإنجاز على جدول أعمال رشا شربتجي للموسم 2012؟
"بانتظار توفر الشرط الإنتاجي الجيد؛ هناك الكثير من النصوص المغرية كـ"مسلسل تركي طويل" ليم مشهدي، "وصايا كانون" لسامر رضوان، "ثنائيات الكرز" لمحمد ماشطة، بالإضافة لمسلسل "حياة مالحة" للكاتب فؤاد حميرة، وهو الأقرب للإنجاز خلال الموسم المقبل، لأننا بدأنا بتصويره خلال الموسم الماضي."
- وهل سيجمع حياة مالحة بين جمال سليمان، قصي خولي، وتيم حسن، كما أعلن سابقاً؟
"لا أدري.. ربما تتغير قائمة أبطال العمل بعد تغير ارتباطات بعض النجوم، لكنني أستطيع تأكيد مشاركة قصي خولي في المسلسل."
- وماذا عن مصر، هل بانتظارك مشاريع هناك في الموسم المقبل؟
"يوجد عرض من مصر قدّمه وليد يوسف، ومحمد فوزي، وربما يكون مسلسلاً صعيدياً، أو لايت ( خفيف) ... أبقى بانتظار التمويل واتضاح الرؤية."
- هل من جديد عن المشروع القائم على نص للكاتب المصري الراحل أسامة أنور عكاشة؟
"المشروع مازال قائماً، لكن ما جرى في مصر أخّر الموضوع، أعتقد أن الدكتور مجدي صابر يعمل على استكمال نص مسلسل "رز الملائكة"، الذي كان بالأصل مسلسلاً كتبه الراحل عكاشة للإذاعة، وبدأ بتحويله إلى التلفزيون، قبل أن يغيبه الرحيل، ويسعدني أن يكون على قائمة المشاريع المستقبلية، إذا انتهى النص بالكامل، وتوفر التمويل."
- في ختام هذه المقابلة.. ماذا تريد أن تقول رشا شربتجي لقرّاء CNN بالعربية؟
أتوجه بالشكر لثقة المشاهدين العرب الذين أحاطوني بالحب، والدعم، والمودة، والاحترام، وهذه نعمة كبيرة، فأنا أستمد نجاحي من الناس، وأرجو أن أتمكن من الحفاظ على ثقتهم... وأقول لهم: إن شالله بكرة أحلى."
وإليكم نص المقابلة:
- إلى أي مدى يمكن أن يعكس مسلسل "الولادة من الخاصرة" بشخصياته وأحداثه صورة المجتمع السوري اليوم؟
"لا يمكن أن يعكس أي مسلسل صورة وافية عن صورة أي مجتمع، لأن ذلك يتطلب الكثير من الإحصائيات الدقيقة عن مكوناته، ولا يستطيع أي عمل درامي فعلياً الإحاطة بكل تلك التفاصيل. أما مسلسل "الولادة من الخاصرة" فتناول بصورةٍ رئيسية ثلاث طبقات؛ طبقة العشوائيات المحيطة بدمشق، والتي مثّلت برأيي أكثر النماذج الإنسانية توافقاً على المستوى النفسي والاجتماعي، والطبقة الثانية هي رجال الأعمال، والثالثة هي طبقة ذوي السلطة ممثلةً في العمل بشخصيات متوسطة الدخل، إلا أنها تمتلك السلطة بحكم وظيفتها في المجتمع، ولكن كل الشخوص التي تناولها المسلسل تتسم بكونها حالات فردية، غير قابلة للتعميم، إلا أنها تنتمي إلى بيئات غنيّة وواقعية، وهذه تركيبة ذكية جداً قدمها الكاتب سامر رضوان بحيث تبدو مغرقة في واقعيتها رغم خصوصيتها الشديدة.... إذاً مسلسل "الولادة من الخاصرة" يسلط الضوء على فئات من مجتمعنا، لا يمكننا القول إنها تمثل المجتمع السوري ككل، حيث غابت الطبقة الوسطى عن العمل، وورد ذكرها بشكلٍ عابر في شخصية صاحب عيادة الإجهاض، بما تمثله العيادة من حلقة ربط بين الشخصيات والأحداث، هذا المكان الذي يختلط فيه الأمل بالألم في لحظة ولادة غير طبيعية، ومن هنا يأتي التركيز على عدة حالات من الولادة المتعسرة؛ ولادة الحلم، الحق، والأمل لشخصياتٍ خاصة يتناولها المسلسل."
- بعض من شاهد المسلسل وجد أن معظم شخصياته تنتمي في تركيبتها النفسية إلى لونٍ واحد؛ إما أبيض، أو أسود... طيبة، أو شريرة.. ما تعليقك على ذلك؟
"لا أعتقد أن هذا الحكم صحيح، فكل الشخصيات التي يفترض أن تكون شريرة في العمل مرّت بلحظات إنسانية، وإن كانت مستقطعة؛ كأبو مقداد، ورؤوف، وحتى الشخصيات الطيبة والمستسلمة، كشخصية جابر التي بدت متمردة على واقعها، وتخلت عن طيبتها ولو للحظات قليلة، في أكثر من موقف.. هكذا تحمل كل شخوص المسلسل بذوراً معاكسة لصفاتها العامة، تكون مكبوتةً في أعماقها، وتظهر بصورةٍ عفوية.. ومن رأى أن شخصيات العمل بلون واحد أدعوه لمتابعته مرّة أخرى."
- من هو الممثل الذي فاق توقعاتك على مستوى الأداء في "مسلسل الولادة من الخاصرة"؟
"لا يمكنني القول إن أحد الممثلين فاق توقعاتي على مستوى الأداء في المسلسل، لأن الجميع -وبدون مجاملة- أدّوا أدوارهم على أكمل وجه، ولكن سلوم حداد أبكاني أكثر من مرّة وراء المونيتور، لأنه أدى دوره في هذا العمل بإحساسٍ عالٍ جداً، ورسم كل تفاصيل شخصية واصل بمنتهى الاقتدار."
- نظراً لتساوي الأدوار تماماً بين أبطال المسلسل؛ هل يمكننا القول بإن هذا العمل أعاد الاعتبار لطابع البطولة الجماعية التي تعتبر السمة الأبرز للمسلسلات السورية؟
"هذا الكلام دقيق، لأن تركيبة النص الذي كتبه سامر رضوان صحيحة، وكما قلت اشتهرت المسلسلات السورية عموماً بالبطولات الجماعية، لكن قد تطغى شخصية على أخرى في بعض الأعمال، لاسيما تلك التي تركز على خط درامي واحد، وقد يميل لها المشاهد باعتبارها لا تشتت تركيزه. إلا أن مسلسل الولادة من الخاصرة أثبت العكس، لأن أحداثه تتحرك على أكثر من خط، وجميع شخصياته متساوية بالفعل والإحساس دون أن تشتت المتلقي، بهذا المعنى اعتقد بأن المسلسل نجح في إعادة الاعتبار لأعمال البطولة الجماعية."
-خلال تصوير المسلسل بدأت الأحداث تتفاعل في أكثر من مكان في العالم العربي؛ إلى أي حد انعكست هذه الأحداث على أجواء التصوير؟ وهل أجريتم أي تعديلات على النص ليبدو مواكباً لما يجري؟
"لا.. لم يتم تعديل أي جملة من سيناريو العمل، وصوّر تماماً كما أجازته الرقابة السورية، ولكن حينما بدأت الأحداث في مصر كنّا في آخر عشرة أيام من التصوير، وشعرت بالذهول من مدى قدرة الكاتب على استقراء ما يجري على الأرض قبل حدوثه، وبدا لي أن سامر رضوان يملك مقدرة خاصة على قراءة وجع الناس الذي يمكن أن يولد نوعاً من الانفجار، على هذا النحو الذي يجري في الشارع العربي."
- كان من المفروض أن تقدم رشا شربتجي خلال الموسم 2011 مسلسلاً ثانياً بعنوان "حياة مالحة" من تأليف الكاتب فؤاد حميرة، هل كان يمكن أن يخفف - لو أنجز- من بريق "الولادة من الخاصرة"؟
"على العكس تماماً... كنت آمل بأن أتمكن من إنجاز المسلسلين خلال موسم 2011، لأنهما مختلفان في الطرح، لكنهما يتحدثان عن نفس الهموم.. حياة مالحة يركز بصورة رئيسية على أن المعرفة قد تتحول في بعض الأحيان إلى لعنة أو عقاب، ويطرح سؤالاً جدلياً: أيهما أفضل؛ أن لا تعرف، أو تعرف وتسكت؟.. فيما يمكن تسميته لعبة الخوف والصمت، النص من إبداع الكاتب فؤاد حميرة، شريك نجاحي في مسلسل "غزلان في غابة الذئاب"، ولكن لم تشأ الظروف في إنجاز "حياة مالحة" خلال الموسم الماضي، وربما يكون قدر العمل كذلك، كي يتنسى لي إنجازه بتأنٍ أكبر في الموسم المقبل."
- متى تكون رشا شربتجي أفضل حالاً؟ حينما تنجز عملاً، أم عملين؟
"بالنسبة لي أتمكن من إنجاز عملين بنفس الإتقان خلال العام الواحد، وعلى المستوى المهني يبدو عمر المخرج قصيراً، فمهنة الإخراج تتطلب ساعات كبيرة من العمل، وتركيزاً، وجهداً خاصين، وطالما أنني في مرحلة الشباب يمكنني الإيفاء بمتطلبات هذه المهنة، وأحرص على أن يكون في أرشيفي أكبر عدد ممكن من الأعمال طالما أنني مقتنعة بها، وبإمكاني إنجازها على مستوى عالٍ، وذلك قبل الوصول إلى مرحلة عمرية لا يمكن العمل فيها بنفس الوتيرة. بالمقابل حينما يكون لدى المخرج عملين، فهذا يعني المزيد من الضغط، ونجاحهما معاً يعني لي الكثير؛ شخصياً، ومهنياً، وأعتقد أن موسمي 2009 و2010 كانا من المواسم الناجحة، وأنجزت فيهما على التوالي: "زمن العار" في سورية، "ابن الأرندلي" في مصر، و"أسعد الورّاق"، و"تخت شرقي" في سورية."
- من المعروف أن نصفك سوري والآخر مصري، وأنجزت أعمال في سورية ومصر؛ ما الذي أخذته رشا شربتجي معها إلى مصر؟ وماذا أحضرت إلى بلدها الأم على مستوى المهنة؟
"أخذت إلى مصر روح الشباب، وأسلوب العمل الجماعي الذي تتميز به الأعمال السورية، وكذلك المتعة في موقع التصوير، فلطالمنا عملنا بروح الهواة، ومازلنا كذلك. وحينما ذهبنا إلى القاهرة كفريق عمل يطغى عليه العنصر الشبابي، فوجئ بنا الكتور يحيى الفخراني حينما قابلنا لأول مرّة، وذلك لصغر سنناّ قياساً بحجم الأعمال التي قدمنّاها. بالمقابل أعطتني مصر الكثير، وحققت لي الانتشار على مستوى الوطن العربي، فحينما يتابع الجمهور المصري أعمال أي مخرج، فهذا يعني أن نصف الجمهور العربي تابع تلك الأعمال، وهذا ما لمسته في مسلسل "ابن الأرندلي" الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً لدى المصريين."
- حينما نقول مصر فأول ما يتبادر للأذهان صناعة السينما.. لماذا لا يوجد في رصيدك أي فيلم سينمائي حتى الآن سواءً في مصر أو سورية؟
"خلال مسيرتي المهنية عرض علي خمسة أفلام في مصر، من جانب شركات إنتاج مهمة لها سمعتها في هذا المجال، لكن النصوص التي عرضت لم تكن بسوية ما أنجزته في الدراما التلفزيونية وقدمته بروح السينما. وحينما أبحث عن فرصٍ سينمائية لتكون ضمن قائمة أرشيفي المهني، فهذا يعني بالنسبة لي أن تكون على مستوى يلبي طموحي في هذا الفن. وبالمقابل لم تعرض عليَ المؤسسة العامة للسينما في سورية سوى فيلم واحد، كما أن صناعة السينما في سورية متعثرة بسبب عوامل عديدة، منها قلة عدد دور العرض. ويمكنني القول إن الفرصة لم تأتِ بعد، لكنني حريصةٌ على ذلك."
- من يستعرض مسيرة رشا شربتجي المهنية يرى أنها بدأتها من الكوميديا، قبل الدخول في عوالمٍ أخرى، ما سر غياب الكوميديا عن أعمالك مؤخراً؟
"عندما أجد النص المناسب فلن أتردد في ذلك لحظة واحدة، وهذا لا يعني أن هناك أزمة نصوص فيما يتعلق بالكوميديا، بدليل وجود عمل مثل "ضيعة ضايعة"، و"الخربة" لليث حجو، إلا أنّ مثل هذه النصوص لا تصلني، لكنني أعوض عن ذلك في أعمالي حينما أحرص على تعزيز النفَسِ الكوميدي الذي قد يكون موجوداً لدى بعض الشخصيات، مثل معظم شباب مسلسل "تخت شرقي"، وعدة شخصيات في مسلسل "الولادة من الخاصرة"، وأعول على تلك اللحظات التي يمكن أن تشكل لدى المشاهد متنفساً من قسوة الواقع. وأنا بانتظار نصوص كوميدية تدفع المتلقي للضحك معي، لا عليّ، وتبقى الكوميديا بالنسبة لأي مخرج أو فنّان؛ الفن الأصعب والأخطر، وهذا ليس مجرد كلام.. بل الحقيقة."
- في معرض الحديث عن العلاقة بالمشاهد؛ هناك من قال أن الدراما السورية رغم تفوقها، وتسليطها على الكثير من مكامن الخلل في مجتمعنا؛ لم تفلح في إيجاد الوعي الكافي لدى المتلقي على مستوى الحراك الاجتماعي، أو تغيير أي واقع على الأرض... ما تعليقك على ذلك؟
" ينبغي أن لا ننسى أن الوظيفة الأساسية للدراما هي الترفيه، وقد يحمل هذا الترفيه الكثير من الرسائل منها الإضاءة على مشكلة اجتماعية ما، أو مجموعة مشكلات قد لا يكون لدى الكاتب رؤية لحلّها، وقد يقدم حلولاً رغم أن ذلك ليس مطلوباً منه، لكنها تبقى مجرد اقتراحات، وإذا كانت هذه الاقتراحات فعّالة لاستطعنا أن نخلق المدينة الفاضلة من خلال ما تناولناه من قضايا اجتماعية في عشرات الأعمال الدرامية. أعتقد أن مشكلاتنا تحتاج إلى عقود لترميمها، ولا يمكن حلّها برأيي إلا من خلال التربية، التي تعتبر مسؤولية العديد من الأطراف: كالأسرة، والمدرسة، والإعلام، والإنترنت، والدراما التي تقوم بجزء من هذا الدور دون تضخيم تأثيرها على هذا المستوى أكثر من اللازم. وأرى أن معظم مشاكلنا في العالم العربي تدور حول فكرة القانون والأخلاق، وحينما نحترم القانون يصبح لدينا أخلاق تراكمية، وتطغى فضائلنا بحكم العادة على معظم سلوكياتنا، إذاً نحن بحاجة إلى قانون صارم، مع احترام الحق في حرية التعبير، والدراما لا يمكن أن تتحول إلى مصلح اجتماعي، وهناك متخصصين في حل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا."
- في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد، هل تتوقعين أن تولد الدراما السورية في ظروفٍ طبيعية لموسم 2012؟
"تبدو الصورة ضبابيةً بالنسبة لي حتى الآن، على المستوى الفني عرض علي أكثر من نص رائع، أي أن الأساس لدراما جيدة موجود، والكتاب السوريون يقدمون أفضل ما عندهم، ولكن هذا لا يكفي، فهناك وضع المنتجين السوريين في ظل الظروف الحالية، وعلاقتهم بالمحطات العربية، لكن أملي يبقى كبيراً، فما زالت الدراما السورية محببة لدى المشاهد العربي، وقادرة على استقطاب المعلن، وهذا في غاية الأهمية بالنسبة للمحطات العارضة. كما أتوقع أن يلعب قانون الإعلام الجديد الذي صدر في سورية مؤخراً دوراً في ازدهار هذه الصناعة، عبر منح المزيد من التراخيص لمحطات فضائية محلية جديدة، نستطيع من خلالها طرح أفكارنا على المستوى الوطني، وإنتاج دراما مغرقة في المحلية، والتي تعتبر ضمانةً رئيسية لتحقيق انتشار أكبر، عربياً، وعالمياً على المدى البعيد."
- ما هي المشاريع الأقرب للإنجاز على جدول أعمال رشا شربتجي للموسم 2012؟
"بانتظار توفر الشرط الإنتاجي الجيد؛ هناك الكثير من النصوص المغرية كـ"مسلسل تركي طويل" ليم مشهدي، "وصايا كانون" لسامر رضوان، "ثنائيات الكرز" لمحمد ماشطة، بالإضافة لمسلسل "حياة مالحة" للكاتب فؤاد حميرة، وهو الأقرب للإنجاز خلال الموسم المقبل، لأننا بدأنا بتصويره خلال الموسم الماضي."
- وهل سيجمع حياة مالحة بين جمال سليمان، قصي خولي، وتيم حسن، كما أعلن سابقاً؟
"لا أدري.. ربما تتغير قائمة أبطال العمل بعد تغير ارتباطات بعض النجوم، لكنني أستطيع تأكيد مشاركة قصي خولي في المسلسل."
- وماذا عن مصر، هل بانتظارك مشاريع هناك في الموسم المقبل؟
"يوجد عرض من مصر قدّمه وليد يوسف، ومحمد فوزي، وربما يكون مسلسلاً صعيدياً، أو لايت ( خفيف) ... أبقى بانتظار التمويل واتضاح الرؤية."
- هل من جديد عن المشروع القائم على نص للكاتب المصري الراحل أسامة أنور عكاشة؟
"المشروع مازال قائماً، لكن ما جرى في مصر أخّر الموضوع، أعتقد أن الدكتور مجدي صابر يعمل على استكمال نص مسلسل "رز الملائكة"، الذي كان بالأصل مسلسلاً كتبه الراحل عكاشة للإذاعة، وبدأ بتحويله إلى التلفزيون، قبل أن يغيبه الرحيل، ويسعدني أن يكون على قائمة المشاريع المستقبلية، إذا انتهى النص بالكامل، وتوفر التمويل."
- في ختام هذه المقابلة.. ماذا تريد أن تقول رشا شربتجي لقرّاء CNN بالعربية؟
أتوجه بالشكر لثقة المشاهدين العرب الذين أحاطوني بالحب، والدعم، والمودة، والاحترام، وهذه نعمة كبيرة، فأنا أستمد نجاحي من الناس، وأرجو أن أتمكن من الحفاظ على ثقتهم... وأقول لهم: إن شالله بكرة أحلى."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق