أثناء هجوم البلطجية على أقسام الشرطة والتنكيل بضبّاطها، رفض ضابطٌ شريف أن يفرّ لينجو بنفسه من بطش الباطشين، وأبى إلا أن يبقى ليذود عن حصنه الذى ائتمنه عليه الوطن، فنال ما نال من تعذيب وحشىّ وتشويه أقعده فى بيته، حتى الآن.
وصلتنى رسالةٌ من مجموعة من زملائه من الضباط، رفضوا ذكر أسمائهم، وها أنا ذا أضع الرسالة حرفيًّا أمام جهتين لهما احترامُهما. الجهة الأولى هى الرأى العام. علّ هذه الرسالة تكرّس حقيقةً تقول ألا شىءَ أسودُ بكامله، مثلما لا شىءَ أبيضُ فى كامله. ثمة ضباطٌ مصريون شرفاء ضمن هذا جهاز الشرطة الذى طالما عذّبنا بفاشيته وأذلّ الشعب فى عهد مبارك، وربما بسبب شرفهم هذا لاقوا ما لاقوا من عنت من رأس جهازهم، السيد حبيب العادلى. الجهة الثانية هى اللواء منصور العيسوى، الذى ربما لم تصله أنباءٌ عن هذا الضابط لأنه تولّى حقيبة وزارة الداخلية بعد ثورتنا الشريفة. وهذا نص الرسالة التى أضعها بين أيديكم.
«نحن مجموعةٌ من زملاء وأصدقاء أحد ضباط الشرطة الشرفاء بالإسكندرية. وقد ترددنا كثيرًا قبل أن نراسلك لنحكى ما حدث لزميلنا، خاصة أنه لا يعرف نهائيًّا أمر رسالتنا هذه، ولو علم لرفض، مثلما رفض من قبل أىَّ ظهور إعلامى فى الفضائيات كيلا يراه أحد بعدما تشوّه وجهه. كما أنه يرى أن ما قام به واجبٌ على كل ضابط شريف لا يستحق عليه شكرًا من أحد.
لكن ثقتنا بكِ وبمناصرتك العدل شجعتنا لنقوم بهذا، دون علمه. وعزوفنا عن مراسلة أى صحفيين للكلام عنا، نحن ضباط الشرطة، وما قمنا به وما لاقينا فى سبيل الثورة والوطن، كان بسبب شعورنا بتحامل الإعلام علينا، وكذلك الرأى العام، وكأننا أعداء الوطن! وقد نلتمس لهم العذر فى ذلك لأن شواهدَ كثيرة وتراكمات تدعم هذا التحامل، لكن رؤيتهم قد يشوبها بعض التجنّى والتعميم. لذلك يرفضون سماع أى شىء قد يحسّن صورةَ الضباط الذين ليسوا إلا أبناء هذا الوطن أيضًا. لكننا نراهن عليكِ وعلى أمانتك. وثقتنا فى صدقك ورقى فكرك تجعلنا نطمئن أن رسالتنا إليك لن يُساء فهمها.
قبل أن نحكى كيف تم تعذيب زميلنا، نوضح لك القليل من سيرته الذاتية:
العقيد أيمن عبدالعظيم مطر. من أوائل دفعته، ورفض التعيين معيدًا بكلية الشرطة. حاصل على دبلومة دراسات عليا وماجستير بدرجة امتياز. ودكتوراه فى البصمات المستحدثة فى الأدلة الجنائية (متوقفة على موعد المناقشة). نال العديد من شهادات التقدير فى عيد الشرطة، وحصل على حافز تقديرى من الداخلية يُضاف على مرتبه الشهرى، أثناء عمله فى مكتب مباحث المخدرات بالإسكندرية، بعد ضبطه كميات ضخمة من المخدرات قبل دخولها الإسكندرية. حصل على منحة سفر لأمريكا من الداخلية لتحضير الدكتوراه فى الأدلة الجنائية. كما حصل على نوط الامتياز من وزارة الداخلية ووسام الدولة أثناء خدمته فى مجال البحث الجنائى بالصعيد، وتم تكريمه من وزير الداخلية الأسبق. كما حصل على وسام الدولة أثناء خدمته فى الصعيد، بعد نجاحه فى الصلح بين العائلات بسبب الثأر. وهو الآن أصغر مأمور فى الإسكندرية، بقسم المنشية.
أثناء مظاهرات 28 يناير أمر كل أفراد قسم المنشية بجانب فرقة من الأمن المركزى التى تحمى القسم، بعدم التحرك للخروج فى مواجهة الثوار أو إطلاق أية رصاصة من ذخيرة القسم لكونها مظاهرة سلمية، علمًا بأن دائرة المنشية هى قلب المظاهرات فى الإسكندرية ومكان دائم للتجمع (مثل ميدان التحرير فى القاهرة).
استمر فى اتّباع سياسة ضبط النفس حتى دخول البلطجية والخارجين عن القانون إلى مبنى القسم ومهاجمة مكتبه الشخصى، ومع ذلك لم يطلق رصاصةً واحدة من مسدسه خشيةَ إصابة أى مواطن بالخطأ، الأمر الذى جعل البلطجية ينالون منه ويحاولون فقء عينيه بالمسامير وضربه على رأسه حتى نزف مخه وفقد الوعى، ولم يكتفوا بهذا بل حاولوا التمثيل به، بعدما ظنوا أنه مات، وإحداث علامات بأنحاء بجسده وتكسير أسنانه بالكامل. لولا تدخل أهالى دائرة المنشية والثوار الشرفاء ونقله لمستشفى خاص فى حاله خطيرة ومازال يتلقى العلاج حتى الآن.
تعلمون سيدتى أن الإسكندرية احترقت بها جميع أقسام الشرطة، وللأسف فإن الناس يتهمون جميع الضباط بالتخاذل عن الدفاع عن أقسامهم والهروب، بينما لا أحد يعلم كيف فتك البلطجية برجال الشرطة فى الأقسام!
نقول لسيادتكم، وقلوبنا تدمى حزنًا على زميلنا طريح الفراش، إن جموعًا ضخمة من البلطجية قد دخلوا القسم بعد إطلاق النار على كل من فيه. ولا نستطيع أن نشرح لكم حجم البشاعة التى قاموا بها مع الضابط أيمن، الذى لم يغادر مكتبه لآخر لحظة، حتى سحلوه للشارع وأوسعوه ضربًا وركلاً حتى غرقت ملابسه الميرى فى الدماء جراء النزيف، ومع هذا لم ترقّ مشاعرهم، بل حاول بعضهم التمثيل بجثته، بعدما ظنوا موته! فمنهم من كان يحاول فتح عينيه لإدخال المسامير. ومنهم من فتح فمه ليدخل خشبة داخل حلقه فتهشمت أسنانه.
لك يا سيدتى أن تتخيلى أن يحدث هذا مع مواطن مصرى مسلم لم يترك صلاة طوال حياته! لم تنقذه من الموت إلا رحمةُ الله، وأعمالُه الطيبة التى يقدّمها للأهالى. أولئك الذين هرعوا لإنقاذه من أيدى الوحوش، ليدخلوه المسجد. ولم يكتف غلاظ القلب بذلك بل أحرقوا سيارة الإسعاف التى استدعاها الأهالى وحاولوا حرق المسجد الذى آواه مُضرجًا فى دمائه، لولا أن شيخ المسجد ظل يخاطبهم فى الميكرفون ويسألهم كيف تحرقون بيت الله! وظلت تلك المناقشات إلى أن حل الظلام وانقطع التيار الكهربى عن المنطقة بالكامل، فكأن معجزة من السماء قد حلّت لكى تغشى أبصارهم ويتم تهريبه من المسجد، فى ملابس الأهالى، بعدما تمزقت ملابسه الميرى وجسده! هل تصدقين يا سيدتى أن زوجته لم تستطع التعرف عليه فى المستشفى نظرًا لتشوّهه وانمحاء ملامحه؟ فراحت تبحث فى جسده على علامات كى تتأكد أنه زوجها!
نسألك سيدتى: ماذا فعل زميلنا لكى يعذبوه هكذا، وأية ديانة تقر هذا؟ نحن لا نمتدحه لأنه صديقنا وابن مهنتنا، فمن السهل أن تسألى عنه أهل دائرته كيف يحبونه وكيف كان يخدمهم بكل محبة وتفان. لمَ كل هذا الهجوم على الشرطة ولمَ كل تلك الكراهية للضباط الذين هم أهلى وأهلك؟ وعلى الصعيد الشخصى، فكثيرًا ما أخبرتنا زوجته أن أولاده لا يرونه سوى يوم راحته التى أحيانًا لا ينالها إلا مرة فى الشهر بسبب ضغط العمل.
نكتب إليك الآن بعدما استقرت حالته نسبيًّا فى المستشفى، وكنا نتمنى أن نكتب إليك وقتها لكن الظروف التى مررنا بها جميعًا حالت دون ذلك.
نتمنى أن تقفى جانبه وجانب كل من مثله وتساعدى القراء المتابعين لكِ أن تتغير فكرتهم عن ضباط الشرطة. لكى يعرف الناس أن الشرطة منهم ولهم وليست عدوهم، وليست بكاملها ذلك الكيان الفساد الذى يراه الناس. فهم لم يهربوا أو يتعمدوا الخراب كما يظن الجميع. وقد أرسلنا لكم بعضًا من صوره بعد مرور أيام على دخوله المستشفى، وقد بدأ يستعيد ملامح وجهه، رغم خشيتنا عليك من بشاعتها، حتى ليظنَّ مَن يراها أنها صور تعذيب صهيون للعرب!
نسألكم ماذا بوسع هذا الرجل أن يفعل الآن؟ فهو وإن كانت صحته قد تحسنت قليلاً، إلا أن عينه لا يرى بها جيدًا وأسنانه تهشمت ويقوم الآن بتركيب أسنان صناعية بآلاف الجنيهات كى يستطيع أن يأكل. ولكن كيف يسترد ثقته فى نفسه بعد الصدمة التى ضربته من فتك الناس به دون ذنب. لدرجة أنه يرفض مشاهدة التليفزيون أو قراءة الصحف ولا يتابع ما يحدث فى البلاد الآن مثل أى مواطن مصرى آخر، بعدما كان قارئًا مثقفا وصوره وحكاياته تملأ الصحف بما قدمه فى عمله لخدمة هذا الوطن والقبض على المجرمين والتشكيلات العصابية وتجار المخدرات. هل تساعدينا يا أستاذه فاطمة لكى يرجع زميلنا الشريف كما كان؟ وقد حاولنا مقابلة وزير الداخلية اللواء العيسوى لأنه لا يعرف عنه شيئًا حتى الآن، لأنه تولّى منصبه بعد الثورة، كما أن له مظالم كثيرة فى عهد حبيب العادلى حيث تم ظلمه كثيرًا بسبب صحوة ضميره دائمًا وسعيه للمساواة والعدل، الأمر الذى لم يكن يعجب رؤساءه.
لا نكتب إليك طمعًا فى شىء، فهو لا يريد شيئًا من أحد، وتكفيه الزيارات المستمرة من أهل دائرة القسم التابع له. ولكنه حزين ونفسيته تحت الصفر ولا يعرف كيف يستطيع الرجوع إلى عمله مرة أخرى. لن نُملى عليك شيئًا لتفعليه، ولكننا نثق تمامًا فى نزاهتك، ورفضنا ذكر أسمائنا كيلا يغضب منا زميلنا العقيد أيمن. وأرسلنا لك هذه الصور لأنها موجودة على الإنترنت بعدما نشرها المقربون له. لكنه رفض أى ظهور فى الصحف وقت الحادث. نشعر نحن زملاءه أن خروجه للحياة مره أخرى لن يحدث إلا إذا شعر أن هناك مَن يقدّر ما فعله من أجل وطنه ومن أجل إنجاح الثورة. ننقل لك أمنيتنا أن يقابل الوزير. الأمر الذى ربما سيكون له دور كبير فى إعادة ثقته بنفسه. علّ سيادة الوزير يقوم بوضعه فى المكان المناسب بكفاءته دون وساطة أو محسوبيات أو معرفة سابقة لقيادات، لأنه واسطته هى عمله وإخلاصه فى واجبه. كما نرجو عبر رسالتنا هذه أن يتعلم الضباط منه سياسة ضبط النفس حين فضّل أن يموت دون أن يقتل بريئًا، وحين رفض ترك موقعه حتى آخر قطرة فى دمه.
نسأل الله عز وجل أن يعينك ويجعلكِ دائما سببًا فى عون البشر.
والسلام عليكم».
وصلتنى رسالةٌ من مجموعة من زملائه من الضباط، رفضوا ذكر أسمائهم، وها أنا ذا أضع الرسالة حرفيًّا أمام جهتين لهما احترامُهما. الجهة الأولى هى الرأى العام. علّ هذه الرسالة تكرّس حقيقةً تقول ألا شىءَ أسودُ بكامله، مثلما لا شىءَ أبيضُ فى كامله. ثمة ضباطٌ مصريون شرفاء ضمن هذا جهاز الشرطة الذى طالما عذّبنا بفاشيته وأذلّ الشعب فى عهد مبارك، وربما بسبب شرفهم هذا لاقوا ما لاقوا من عنت من رأس جهازهم، السيد حبيب العادلى. الجهة الثانية هى اللواء منصور العيسوى، الذى ربما لم تصله أنباءٌ عن هذا الضابط لأنه تولّى حقيبة وزارة الداخلية بعد ثورتنا الشريفة. وهذا نص الرسالة التى أضعها بين أيديكم.
«نحن مجموعةٌ من زملاء وأصدقاء أحد ضباط الشرطة الشرفاء بالإسكندرية. وقد ترددنا كثيرًا قبل أن نراسلك لنحكى ما حدث لزميلنا، خاصة أنه لا يعرف نهائيًّا أمر رسالتنا هذه، ولو علم لرفض، مثلما رفض من قبل أىَّ ظهور إعلامى فى الفضائيات كيلا يراه أحد بعدما تشوّه وجهه. كما أنه يرى أن ما قام به واجبٌ على كل ضابط شريف لا يستحق عليه شكرًا من أحد.
لكن ثقتنا بكِ وبمناصرتك العدل شجعتنا لنقوم بهذا، دون علمه. وعزوفنا عن مراسلة أى صحفيين للكلام عنا، نحن ضباط الشرطة، وما قمنا به وما لاقينا فى سبيل الثورة والوطن، كان بسبب شعورنا بتحامل الإعلام علينا، وكذلك الرأى العام، وكأننا أعداء الوطن! وقد نلتمس لهم العذر فى ذلك لأن شواهدَ كثيرة وتراكمات تدعم هذا التحامل، لكن رؤيتهم قد يشوبها بعض التجنّى والتعميم. لذلك يرفضون سماع أى شىء قد يحسّن صورةَ الضباط الذين ليسوا إلا أبناء هذا الوطن أيضًا. لكننا نراهن عليكِ وعلى أمانتك. وثقتنا فى صدقك ورقى فكرك تجعلنا نطمئن أن رسالتنا إليك لن يُساء فهمها.
قبل أن نحكى كيف تم تعذيب زميلنا، نوضح لك القليل من سيرته الذاتية:
العقيد أيمن عبدالعظيم مطر. من أوائل دفعته، ورفض التعيين معيدًا بكلية الشرطة. حاصل على دبلومة دراسات عليا وماجستير بدرجة امتياز. ودكتوراه فى البصمات المستحدثة فى الأدلة الجنائية (متوقفة على موعد المناقشة). نال العديد من شهادات التقدير فى عيد الشرطة، وحصل على حافز تقديرى من الداخلية يُضاف على مرتبه الشهرى، أثناء عمله فى مكتب مباحث المخدرات بالإسكندرية، بعد ضبطه كميات ضخمة من المخدرات قبل دخولها الإسكندرية. حصل على منحة سفر لأمريكا من الداخلية لتحضير الدكتوراه فى الأدلة الجنائية. كما حصل على نوط الامتياز من وزارة الداخلية ووسام الدولة أثناء خدمته فى مجال البحث الجنائى بالصعيد، وتم تكريمه من وزير الداخلية الأسبق. كما حصل على وسام الدولة أثناء خدمته فى الصعيد، بعد نجاحه فى الصلح بين العائلات بسبب الثأر. وهو الآن أصغر مأمور فى الإسكندرية، بقسم المنشية.
أثناء مظاهرات 28 يناير أمر كل أفراد قسم المنشية بجانب فرقة من الأمن المركزى التى تحمى القسم، بعدم التحرك للخروج فى مواجهة الثوار أو إطلاق أية رصاصة من ذخيرة القسم لكونها مظاهرة سلمية، علمًا بأن دائرة المنشية هى قلب المظاهرات فى الإسكندرية ومكان دائم للتجمع (مثل ميدان التحرير فى القاهرة).
استمر فى اتّباع سياسة ضبط النفس حتى دخول البلطجية والخارجين عن القانون إلى مبنى القسم ومهاجمة مكتبه الشخصى، ومع ذلك لم يطلق رصاصةً واحدة من مسدسه خشيةَ إصابة أى مواطن بالخطأ، الأمر الذى جعل البلطجية ينالون منه ويحاولون فقء عينيه بالمسامير وضربه على رأسه حتى نزف مخه وفقد الوعى، ولم يكتفوا بهذا بل حاولوا التمثيل به، بعدما ظنوا أنه مات، وإحداث علامات بأنحاء بجسده وتكسير أسنانه بالكامل. لولا تدخل أهالى دائرة المنشية والثوار الشرفاء ونقله لمستشفى خاص فى حاله خطيرة ومازال يتلقى العلاج حتى الآن.
تعلمون سيدتى أن الإسكندرية احترقت بها جميع أقسام الشرطة، وللأسف فإن الناس يتهمون جميع الضباط بالتخاذل عن الدفاع عن أقسامهم والهروب، بينما لا أحد يعلم كيف فتك البلطجية برجال الشرطة فى الأقسام!
نقول لسيادتكم، وقلوبنا تدمى حزنًا على زميلنا طريح الفراش، إن جموعًا ضخمة من البلطجية قد دخلوا القسم بعد إطلاق النار على كل من فيه. ولا نستطيع أن نشرح لكم حجم البشاعة التى قاموا بها مع الضابط أيمن، الذى لم يغادر مكتبه لآخر لحظة، حتى سحلوه للشارع وأوسعوه ضربًا وركلاً حتى غرقت ملابسه الميرى فى الدماء جراء النزيف، ومع هذا لم ترقّ مشاعرهم، بل حاول بعضهم التمثيل بجثته، بعدما ظنوا موته! فمنهم من كان يحاول فتح عينيه لإدخال المسامير. ومنهم من فتح فمه ليدخل خشبة داخل حلقه فتهشمت أسنانه.
لك يا سيدتى أن تتخيلى أن يحدث هذا مع مواطن مصرى مسلم لم يترك صلاة طوال حياته! لم تنقذه من الموت إلا رحمةُ الله، وأعمالُه الطيبة التى يقدّمها للأهالى. أولئك الذين هرعوا لإنقاذه من أيدى الوحوش، ليدخلوه المسجد. ولم يكتف غلاظ القلب بذلك بل أحرقوا سيارة الإسعاف التى استدعاها الأهالى وحاولوا حرق المسجد الذى آواه مُضرجًا فى دمائه، لولا أن شيخ المسجد ظل يخاطبهم فى الميكرفون ويسألهم كيف تحرقون بيت الله! وظلت تلك المناقشات إلى أن حل الظلام وانقطع التيار الكهربى عن المنطقة بالكامل، فكأن معجزة من السماء قد حلّت لكى تغشى أبصارهم ويتم تهريبه من المسجد، فى ملابس الأهالى، بعدما تمزقت ملابسه الميرى وجسده! هل تصدقين يا سيدتى أن زوجته لم تستطع التعرف عليه فى المستشفى نظرًا لتشوّهه وانمحاء ملامحه؟ فراحت تبحث فى جسده على علامات كى تتأكد أنه زوجها!
نسألك سيدتى: ماذا فعل زميلنا لكى يعذبوه هكذا، وأية ديانة تقر هذا؟ نحن لا نمتدحه لأنه صديقنا وابن مهنتنا، فمن السهل أن تسألى عنه أهل دائرته كيف يحبونه وكيف كان يخدمهم بكل محبة وتفان. لمَ كل هذا الهجوم على الشرطة ولمَ كل تلك الكراهية للضباط الذين هم أهلى وأهلك؟ وعلى الصعيد الشخصى، فكثيرًا ما أخبرتنا زوجته أن أولاده لا يرونه سوى يوم راحته التى أحيانًا لا ينالها إلا مرة فى الشهر بسبب ضغط العمل.
نكتب إليك الآن بعدما استقرت حالته نسبيًّا فى المستشفى، وكنا نتمنى أن نكتب إليك وقتها لكن الظروف التى مررنا بها جميعًا حالت دون ذلك.
نتمنى أن تقفى جانبه وجانب كل من مثله وتساعدى القراء المتابعين لكِ أن تتغير فكرتهم عن ضباط الشرطة. لكى يعرف الناس أن الشرطة منهم ولهم وليست عدوهم، وليست بكاملها ذلك الكيان الفساد الذى يراه الناس. فهم لم يهربوا أو يتعمدوا الخراب كما يظن الجميع. وقد أرسلنا لكم بعضًا من صوره بعد مرور أيام على دخوله المستشفى، وقد بدأ يستعيد ملامح وجهه، رغم خشيتنا عليك من بشاعتها، حتى ليظنَّ مَن يراها أنها صور تعذيب صهيون للعرب!
نسألكم ماذا بوسع هذا الرجل أن يفعل الآن؟ فهو وإن كانت صحته قد تحسنت قليلاً، إلا أن عينه لا يرى بها جيدًا وأسنانه تهشمت ويقوم الآن بتركيب أسنان صناعية بآلاف الجنيهات كى يستطيع أن يأكل. ولكن كيف يسترد ثقته فى نفسه بعد الصدمة التى ضربته من فتك الناس به دون ذنب. لدرجة أنه يرفض مشاهدة التليفزيون أو قراءة الصحف ولا يتابع ما يحدث فى البلاد الآن مثل أى مواطن مصرى آخر، بعدما كان قارئًا مثقفا وصوره وحكاياته تملأ الصحف بما قدمه فى عمله لخدمة هذا الوطن والقبض على المجرمين والتشكيلات العصابية وتجار المخدرات. هل تساعدينا يا أستاذه فاطمة لكى يرجع زميلنا الشريف كما كان؟ وقد حاولنا مقابلة وزير الداخلية اللواء العيسوى لأنه لا يعرف عنه شيئًا حتى الآن، لأنه تولّى منصبه بعد الثورة، كما أن له مظالم كثيرة فى عهد حبيب العادلى حيث تم ظلمه كثيرًا بسبب صحوة ضميره دائمًا وسعيه للمساواة والعدل، الأمر الذى لم يكن يعجب رؤساءه.
لا نكتب إليك طمعًا فى شىء، فهو لا يريد شيئًا من أحد، وتكفيه الزيارات المستمرة من أهل دائرة القسم التابع له. ولكنه حزين ونفسيته تحت الصفر ولا يعرف كيف يستطيع الرجوع إلى عمله مرة أخرى. لن نُملى عليك شيئًا لتفعليه، ولكننا نثق تمامًا فى نزاهتك، ورفضنا ذكر أسمائنا كيلا يغضب منا زميلنا العقيد أيمن. وأرسلنا لك هذه الصور لأنها موجودة على الإنترنت بعدما نشرها المقربون له. لكنه رفض أى ظهور فى الصحف وقت الحادث. نشعر نحن زملاءه أن خروجه للحياة مره أخرى لن يحدث إلا إذا شعر أن هناك مَن يقدّر ما فعله من أجل وطنه ومن أجل إنجاح الثورة. ننقل لك أمنيتنا أن يقابل الوزير. الأمر الذى ربما سيكون له دور كبير فى إعادة ثقته بنفسه. علّ سيادة الوزير يقوم بوضعه فى المكان المناسب بكفاءته دون وساطة أو محسوبيات أو معرفة سابقة لقيادات، لأنه واسطته هى عمله وإخلاصه فى واجبه. كما نرجو عبر رسالتنا هذه أن يتعلم الضباط منه سياسة ضبط النفس حين فضّل أن يموت دون أن يقتل بريئًا، وحين رفض ترك موقعه حتى آخر قطرة فى دمه.
نسأل الله عز وجل أن يعينك ويجعلكِ دائما سببًا فى عون البشر.
والسلام عليكم».
هناك تعليقان (2):
حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم وفيمن تمدحونه ، لقد شكونا الى قسم الرمل مر الشكوى من مخبر اسمه مجدى ابوهنتش بتاع عصير فى ميدان باكوس وفارش امامه فرش نظارات وملابس ويضع سماعات استريو ليل ونهار لما اصبحت حياتنا جحيم منه ، ادخل على اليوتيوب واكتب العقيد ايمن مطر هتلاقى واحد من اللى بيرحبو به امام قسم الرمل لابس احمر هو ده مجدى ابو هنتش وتعالى شوفه ليلا وما يفعله بأهل المنطقة امام قهوة البطل
العقيد ايمن مطر (الشهيد الحى )الذى حرم من معاملته كشهيد انسان مهذب مثقف عنوان مشرف للشرطة لايستحق هذا الاعتداء الفظيع من اخوة له فى الاسلام انا كشفت غلى اسنانه وكنت فى زهول.
ا.د.ابراهيم الجيار
إرسال تعليق